في سبيل ثقافة نفطية: "الوقود الحيوي" وأزمة الطاقة المقبلة (2 من 2)
أسهم استخدام الوقود الحيوي على نطاق واسع في زيادة العوامل المؤثرة في أسعار المشتقات النفطية، ورفع نسبة المخاطرة، وزيادة تقلب أسعار هذه المشتقات. لذلك فإن القول بأن استخدام الوقود الحيوي يعزز من أمن الطاقة في الولايات المتحدة وغيرها هو مجرد هراء لأن أي جفاف يضرب منطقة الوسط الغربي في الولايات المتحدة المنتجة للذرة سيسبب أزمة بنزين خانقة في الولايات المتحدة. وأي ارتفاع في أسعار الذرة عالميا فوق مستوى أسعار الولايات المتحدة سيجعل المزارعين الأمريكيين يصدرون الذرة بدلاً من استخدامها محليا في مصانع الإيثانول، الأمر الذي سيسبب أيضا أزمة بنزين. والواقع أن أي موجة جفاف في أي عام من الأعوام ستؤدي إلى الإثنين معاً وسترتفع أسعار الذرة عالمياً، الأمر الذي سينتج عنه انخفاض إمدادات البنزين، وارتفاع تكاليف إنتاجه، وارتفاع أسعاره بشكل كبير. كل ذلك بدون أي تغير في أسعار النفط، وبدون أي تدخل من أوبك.
مشكلات الوقود الحيوي
لا تقتصر مشكلات الوقود الحيوي على أزمات الطاقة أو على تعريض أمن الطاقة للخطر فقط، وإنما تمتد إلى مجالات عديدة تجعله خطراً حتى على الأمن القومي للدول المستهلكة للطاقة. وفيما يلي توضيح مختصر لبعض مشكلات الوقود الحيوي:
1. السعر: يدّعي أنصار الوقود الحيوي أنه أرخص من أسعار المشتقات النفطية حالياً ويستدلون ببيانات من مختلف الولايات الأمريكية على ذلك. هذا الادعاء مضلل لأنهم يقارنون سعر جالون من البنزين بجالون من الإيثانول، ولكن كمية الطاقة الموجودة في الإيثانول تمثل نحو ثلثي الطاقة الموجودة في البنزين. فإذا كانت السيارة تسير 40 كيلومترا بجالون من البنزين، فإنها تسير نحو 30 كيلومترا فقط بجالون من الإيثانول. هذا يعني أن تكاليف الإيثانول أعلى من البنزين.
2. الاعتماد على واردات النفط: يدعي أنصار الوقود الحيوي، خاصة الإيثانول، أن زيادة استخدامه عن طريق مزجه بالبنزين ستؤدي إلى تخفيض الاعتماد على واردات النفط، خاصة النفط المستورد من الشرق الأوسط. هذا أيضا ادعاء مضلل لأن استخدام الإيثانول جاء على حساب مادة "إم تي بي إي" التي تم تحريمها قانونيا واستبدالها بالإيثانول. ويحتاج كل جالون من البنزين كمية إيثانول أقل من كمية إم تي بي إي للوصول إلى الأهداف البيئية نفسها التي كانت تحققها مادة إم تي بي إي. هذا يعني أن استخدام الإيثانول أسهم في زيادة الطلب على البنزين، وبالتالي على النفط المستورد! فعلى سبيل المثال، إذا كان الجالون يتكون من 90 في المائة من البنزين و10 في المائة إم تي بي إي، فإن الجالون نفسه يحتاج إلى 5 في المائة فقط من الإيثانول للوصول إلى النتيجة نفسها. لإكمال الجالون، لا بد من إضافة 5 في المائة من البنزين كانت تغطيها مادة إم تي بي إي.
3. البيئة: يدعي أنصار الوقود الحيوي أن هذا النوع من الوقود صديق للبيئة لأن الغازات المنبعثة من احتراقه في محركات السيارات أقل من كمية الغازات المنبعثة من احتراق البنزين أو الديزل النفطي في المحركات نفسها. هذه العبارة مضللة لأنها لا تشمل الأثر البيئي لزراعة الذرة وغيرها، والتي تتضمن الأسمدة (والمستخرجة من النفط) والمبيدات الحشرية، ولا تشمل الآثار البيئية الناتجة عن سيارات الشحن الضخمة التي تنقل الذرة والإيثانول، خاصة أنه لا يمكن نقل الإيثانول بالأنابيب لأسباب فنية تتعلق باختلاط الماء به. أما في البرازيل فإنه يتم قطع أشجار الغابات الاستوائية لزرع قصب السكر مكانها لإنتاج الإيثانول. وتشير الدراسات إلى أن قدرة الغابات على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، أحد أهم الغازات المسببة للاحتباس الحراري، أكبر بكثير من قدرة المحاصيل الزراعية على امتصاصه. كما يشير بعضها إلى أنه إذا تم حساب الأثر البيئي من البداية وحتى النهاية لإنتاج الوقود الحيوي فإن الآثار السيئة للوقود الحيوي أكبر من الآثار السيئة للمشتقات النفطية. ومن المضحك أن احتراق الديزل الحيوي ينتج عنه غاز أكسيد النتروجين بكميات أكبر من الديزل النفطي وللتخفيف من أثر هذا الغاز الضار يتم مزج الديزل الحيوي بمشتقات .. نفطية! فجأة أصبح النفط صديقاً للبيئة!
4. المياه: لعل الموضوع الأهم من أزمة الطاقة التي قد يواجهها العالم هو أزمة المياه الصالحة للاستعمال. لا تتطلب محاصيل الوقود الحيوي كميات إضافية من المياه فقط، وإنما يتطلب إنتاجها كميات هائلة من المياه. فقد أشارت إحدى الدراسات التي نشرت في العام الماضي إلى أن إنتاج جالون من الإيثانول يتطلب أربعة جوالين من المياه الصالحة للشرب، وإذا تم حساب المياه اللازمة لإنتاجه منذ زراعة الذرة وحتى وصوله إلى محطة البنزين فإن كل جالون من الإيثانول يتطلب 11 جالونا من المياه.
5. النقل: يمكن نقل المشتقات النفطية بطرق متعددة أرخصها الأنابيب، وبأجواء متعددة تراوح بين درجات منخفضة جداً في الآسكا ودرجات عالية جدا في الربع الخالي, لكن هناك صعوبة كبيرة في نقل الوقود الحيوي. فلا يمكن نقل الإيثانول بالأنابيب، الأمر الذي تطلب أن يتم إنتاجه ومزجه بالبنزين بالقرب من نقاط التوزيع، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليفه. كما لا يمكن نقل الديزل الحيوي في الأجواء الباردة بسبب تجمده.
6. الغِذاء: هناك معارضة شديدة لاستخدام المواد الزراعية لإنتاج الطاقة من عدة فئات في مختلف أنحاء العالم. فالبعض يعارض إنتاج الوقود الحيوي بناء على مبادئ أخلاقية بحتة لأنه من غير المنطقي أن يموت الفقراء من الجوع في الوقت الذي يحرق فيه الأغنياء الغذاء في سياراتهم الفارهة. وهناك من يعارضه لأن استخدام المواد الزراعية كوقود أسهم في رفع أسعار المواد الغذائية في شتى أنحاء العالم، وأغلب العالم من الفقراء الذين يعتمدون على الذرة والقمح كمصدرين أساسيين للغذاء.
الخلاصة
لا شك أن للنفط ومشتقاته عيوبا متعددة، ولا يمكن لأحد أن ينكر الآثار البيئية السيئة لحرق النفط. ولكن من الواضح أن للبدائل التي تحاول حكومات الدول المستهلكة فرضها بقوة القانون بحجة تعزيز أمن الطاقة أضراراً أكبر بكثير من النفط ومشتقاته سواء على المستويات الاقتصادية أو البيئية أو حتى الأخلاقية. إن البديل الوحيد الذي يمكن أن يحل محل النفط كمصدر للطاقة هو البديل الذي تدعمه قوى السوق بدون أي تدخل حكومي. هذا البديل غير موجود حاليا ولا يتوقع أن يوجد في المستقبل القريب. النفط، كان، وما زال، وسيظل المصدر الأساس للطاقة في العالم، إلا أن أزمة الطاقة القادمة لن تكون بسبب ندرة النفط، ولكن بسبب الوعود الوهمية لمصادر الطاقة الأخرى التي تحظى بدعم هائل من الحكومات المختلفة.