هيئة الإسكان .. هل ستكون إضافة أم عبئاً؟
أولا قبل أن نبارك للدكتور شويش المطيري على الثقة الملكية، علينا أن ندعو له بالتوفيق والعون والسداد، فقد وكلّه ولي الأمر مهمة ليست سهلة أمامها الكثير من التحديات، وتتطلب المبادرة (وفن الضغط Lobbing) وسعة الاطلاع على التجارب العالمية والاستفادة منها، وأيضا، وهذا مهم، (القناعة التامة) أن لدينا مشكلة استراتيجية تمس الاستقرار الاجتماعي مباشرة، وهي مشكلة الإسكان.
تعيين الدكتور المطيري أمينا عاما لهيئة الإسكان، موقع تواجهه تحديات وتذليل هذه التحديات ليس معجزة لعدة اعتبارات، منها أن هناك إرادة سياسية صادقة لولي الأمر لوضع الحلول والآليات الجذرية لإنهاء مشكلة الإسكان على المدى البعيد، وثانيا، هناك جميع الموارد الضرورية للتصدي لهذه المشكلة، فليس لدينا نقص في التمويل، وتغطية الاكتتابات الكبرى للشركات المساهمة تؤكد هذه الحقيقة، بل نحن من الدول الرئيسية المصدرة لرأس المال.
أيضا ليس لدينا إشكالية في الأرض، والمخططات المعتمدة في المدن إذا توافر حسن التدبير ووفرت لها الخدمات الأساسية فإنها قادرة على استيعاب المساكن لجيل كامل، وكل ما تحتاج إليه هذه المخططات، بالذات التي وزعت منحا لأراض سكنية، هو أن تقوم الدولة بتطويرها حتى يستفيد منها الناس، والآن توافر التمويل لدى الصندوق العقاري أصبح معطلا، فالناس التي حصلت على القرض اكتشفت أن أراضي المنح السكنية لا يمكن الاستفادة منها فيبقى (القرض معلقا) بسبب عدم توافر الأرض المناسبة.. ألا تعد هذه مفارقة عجيبة، حضر القرض وغابت الأرض!
الهيئة الوليدة عليها مراجعة هذه الأوضاع الحرجة في قطاع الإسكان، وعليها لملمة الجهود المبعثرة في برامج الإسكان، وعليها العمل على إنشاء فريق عمل ينسق جهود الدولة، مع مبادرات القطاع الخاص، وأيضا مراجعة جهود الجمعيات الخيرية التي تتصدى للإسكان.
مبادرات الدولة في تبني الإسكان الشعبي توجه إنساني ونبيل، ولكن هناك تحفظات رئيسية على تجميع الفقراء في أحياء شعبية، ودول العالم منذ سنوات بدأت إزالة المساكن الشعبية، والغريب أننا انطلقنا بهذه الجهود دون مراجعة جادة للتجارب العالمية، وهذه إحدى سلبيات غياب الجهة الاعتبارية الوطنية التي تنظر في جميع المعطيات، بعيدا عن الحلول السريعة غير المدروسة، والتي تكون استجابة لردود أفعال عاجلة.
والتجارب الدولية ثرية بكيفية معالجة مشكلة الإسكان، ونحن، ولله الحمد، لدينا خبراء سعوديون في مجال مشاريع التطوير العقاري، ولدينا الباحثون في مشاكل الإسكان، ولدينا المبادرات على أرض الواقع، والهيئة الوليدة أمامها الكثير من الموارد البشرية القادرة على دفع الجهود الوطنية لحل مشكلة السكن.. هذه المشكلة التي تؤرق وتخنق الكثير من الناس.
ستجد الهيئة الجديدة أنها أمام مجلدات من الدراسات والندوات والمقالات التي تتحدث عن هذه المشكلة، وما نورده هنا هو غيض من فيض، وثمة قضايا حيوية يتفق عليها أغلب الناس الذين بحثوا هذا الموضوع ومنها أهمية إطلاق نظام الرهن العقاري، وتفعيل قطاع التمويل العقاري الذي لا يشكل سوى 2 في المائة وهي من أقل النسب في العالم، أيضا ثمة إجماع على أهمية وجود شركات مساهمة عملاقة تعمل في مجال التطوير العقاري، وكذلك ثمة حاجة إلى تبني أفكار الهندسة القيمية لتغيير الذهنية الاجتماعية عن مفهوم الوحدة السكنية وضرورة خفض تكاليفها، فأغلبنا نبني وحدات أكثر من احتياجاتنا وإمكاناتنا، ولا نفكر في التشغيل والصيانة، لذا بيوتنا غالبا تتراجع قيمها بشكل مستمر، وبعض الناس في الأحياء التي عمرها 20 عاما تقريبا تزيل الوحدة السكنية تماما لتبيع الأرض، ألا تعد هذه مفارقة أخرى وتعكس وضعا غريبا وهدرا منظما للموارد!
كل الذي نرجوه هو ألا تكون الهيئة الجديدة مجرد إضافة إلى الجهاز الحكومي وعبئا على الميزانية العامة، لعلها تكون إضافة نوعية لأداء القطاع العام.