الوقف الصحي فاتحة لأوقاف أخرى

[email protected]

في الأسبوع الماضي وافق مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 27/1/1429هـ على إنشاء صندوق للوقف الصحي يهدف إلى تشجيع فعل الخير وبذل المساهمات الطوعية في مجال الرعاية الصحية كالمساعدة في توفير ما يحتاج إليه المرضى من أجهزة وعلاج وتأهيل وبخاصة ذوي الأمراض المزمنة أو المستعصية، والإسهام في تمويل البرامج الوقائية والأبحاث الصحية. وقد حدد قرار المجلس موارد الصندوق من الأعيان، الصكوك المالية، الأسهم، والأموال النقدية، التي يوقفها أصحابها لأغراض الصندوق. كما تشمل حزمة الموارد التبرعات، عوائد الاستثمارات، وما تقدمه الدولة من أموال وأراض وغيرها.
إن إنشاء ذلك الصندوق يأتي في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى إعادة صياغة آلية العمل الخيري في إطار مفهوم مؤسسي كي يكون أكثر بركة ومنفعة. ذلك أن التآكل التدريجي في الروابط الأسرية مقروناً بنمو سريع في عدد السكان وانتشار في رقعة جغرافية واسعة، شكَّلت عوامل أدت في الآونة الأخيرة إلى تحولات كبيرة في تركيبة المجتمع والعلاقات بين أفراده امتدت آثارها إلى العمل الخيري. ولعل من أهم تلك الآثار بروز أنماط جديدة من الاحتياجات في المجتمع تشكل مصارف جيدة للصدقات، غير أن طبيعة تلك الأنماط تجعل من الصعب التعامل معها من خلال الآليات التقليدية للبذل والإنفاق.
وسبق أن تناولت موضوع صناديق الأوقاف في مقالة نشرتها "الاقتصادية" في 3/9/1427هـ تحت عنوان "صناديق استثمار يحتاج إليها المجتمع"، ذكرت فيها أن الدائرة اتسعت أمام حركة العمل الخيري وما يمكن أن يقدمه لسد العجز في مجال الخدمات الصحية، التعليم، والرعاية الاجتماعية التي تتطلب بناء مرافق وتجهيزات معقدة ومكلفة. ولا تقتصر تلك التكلفة على عنصري الإنشاء والتجهيز فحسب، بل إن إدارة وتشغيل تلك المرافق يعتمد على توافر موارد مالية مستقرة تكفل لها البقاء والاستمرار في أداء رسالتها. لذا أضحى الأسلوب التقليدي في العمل الخيري بدفع مبلغ هنا أو هناك للأفراد أو الجمعيات عاجزاً عن مواكبة تمويل الأنماط الجديدة التي يحتاج إليها المجتمع. أضف إلى ذلك أن ضعف كل من الرقابة والشفافية في مثل تلك التعاملات أدى إلى إحجام الكثير من القادرين عن العطاء تحت تلك الذريعة.
ولعل من تيسير الله تعالى لفعل الخيرات أمام عباده أن هيأ لهم آلية الوقف للإفادة منها في تحقيق مقاصد الصدقة الجارية دون المخاطرة بالأموال أو تبديدها. غير أن تعظيم منافع تلك الآلية يتطلب تأسيس صناديق تتولى استقبال صدقات المحسنين لاستثمارها في السوق المالية، العقار، أو غيرهما ومن ثم وقف ريعها لصالح مستفيدين بعينهم سواء كان ذلك المستفيد مجالاً عاماً من مجالات الخدمة الاجتماعية كالرعاية الصحية، التعليم، أو رعاية المعوقين، أو كان المستفيد مسجداً، جامعة، أو مدرسة باسمها. كما أن قائمة المستفيدين يمكن أن تمتد لتشمل أسماء أفراد مُعّرفين مسبقاً من قبل الواقف. الشاهد هنا المرونة العريضة التي يمكن أن تقدمها تلك الصناديق في إدارة أوقاف المحسنين في إطار خدمة متكاملة تبدأ باستقبال صدقاتهم، مساعدتهم في اختيار الأدوات التي تلائم مقاصدهم من الوقف، تسجيله شرعاً، ثم متابعة صرف ريعه في الوجه الذي صرّح به الواقف.
إن قرار مجلس الوزراء بإنشاء صندوق الوقف الصحي يعد فاتحة لتأسيس صناديق أخرى في مجالات الخدمة الاجتماعية نتطلع إليها في كل منطقة إدارية من مناطق المملكة بمبادرة من مؤسسات المجتمع المدني كالغرف التجارية، الجمعيات الخيرية، والجامعات، بعيداً عن الأسلوب التقليدي للإدارة الحكومية وما يرتبط بها من مركزية مرهقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي