موظفو القطاع الخاص.. ينتظرون علاوة غلاء المعيشة
أصدر مجلس الوزراء الموقر الإثنين 28 كانون الثاني (يناير) 2008م 17 قرارا للتخفيف من الغلاء الذي اجتاح السوق السعودية وألحق أضرارا بالغة بكل شرائح المجتمع السعودي وخاصة الطبقتين الدنيا والوسطى.
لعل أهم القرارات الـ 17 هو قرار إضافة بدل غلاء معيشة إلى رواتب موظفي ومستخدمي ومتقاعدي الدولة بنسبتي 5 و10 في المائة حتى 15 في المائة على مدى ثلاث سنوات.
وإذا كانت حكومتنا الرشيدة قد اتخذت إجراءات مهمة على طريق تخفيف أعباء المعيشة عن كاهل المواطن بزيادة دخله، فإن المواطنين السعوديين ليسوا كلهم موظفين حكوميين، بمعنى أن للمواطن في القطاع الخاص حقوقاً على حكومته الرحيمة كما أن عليه واجبات وطنية يتحتم القيام بها مثله مثل المواطن في القطاع الحكومي، ودعوني بهذه المناسبة أوضح نقطة مهمة وهي أن العلاقة بين القيادة والشعب في هذه البلاد المباركة هي علاقة رومانسية على منهاج الدين الإسلامي الحنيف الذي ينظم العلاقات بين مختلف المستويات على نبراس الرحمة والمودة، وهي علاقة تفوق ما يربط المواطن والحاكم في الديمقراطيات الغربية التي تلهث دول العالم الثالث وراء مظاهرها البراقة.
نحن نعرف أن الراتب في الأصل.. هو المقابل لإنتاج الموظف، ونعرف أيضا أن الراتب يرتبط بزيادة الإنتاج التي كثيرا ما تكون مبررا لزيادة أو خفض الراتب، ولكن نستطيع القول إن الحالة التي عليها الموظف السعودي الآن.. هي أن الزيادة الملحوظة في أسعار السلع والخدمات التي تقتحم السوق السعودية في هذه الأيام.. تؤكد أن الرواتب أقل من الإنتاج وأن دخل الموظف السعودي يحتاج إلى تصحيح عاجل يحافظ على رفاهيته.
وإذا كان لهذه القرارات الـ 17 تأثيرات إيجابية في موظفي الدولة، فإن القطاع الأكبر من الموظفين السعوديين وهم موظفو القطاع الخاص والمتقاعدون الذين تظلهم مظلة مؤسسة التأمينات الاجتماعية.. وهؤلاء للأسف جرى استثناؤهم من هذه العلاوة المؤثرة في مستوى المعيشة.
نحن هنا نتمنى ألا ينظر إلى موظفي ومتقاعدي القطاع الخاص على أنهم شرائح من خارج النظام الاقتصادي الوطني لأن القطاع الخاص بموظفيه ومتقاعديه جزء لا يتجزأ من نسيج الاقتصاد السعودي الوطني، ولذلك فإن زيادة دخول موظفي ومتقاعدي القطاع الخاص من شأنها أن ترفع مستوى معيشة المواطن السعودي، كما أن حسابات الناتج القومي تتضمن بالضرورة إنتاجيات جميع موظفي القطاع الخاص والقطاع الحكومي، ولذلك فإن تحسين مستوى معيشة قطاع واستبعاد القطاع الأكبر لا يحقق المعادلة التي استهدفتها قرارات مجلس الوزراء الموقر التي صدرت بهدف حماية كل المواطنين من غول الغلاء.
وإذا كانت الحكومة لا تريد أن تستخدم صيغة الأمر مع القطاع الخاص فإنها يمكن أن تتحرك من خلال رئيس مجلس إدارة مؤسسة التأمينات الاجتماعية الذي يجري بدوره اتصالات مع الفعاليات النافذة في القطاع الخاص ليتوصل معهم إلى علاوة لغلاء المعيشة أسوة بالعلاوة التي منحتها الحكومة موظفي ومتقاعدي القطاع الحكومي، كذلك فإننا نتطلع إلى الغرف التجارية الصناعية للقيام بدور فاعل في الاتجاه ذاته وحث الشركات والبنوك والمصانع على إقرار علاوة غلاء معيشة تنشط أداء موظفي القطاع الخاص.
إن أهم ما يسترعي الانتباه هو أن معظم رواتب موظفي القطاع الخاص لا تتناسب مع الوظائف التي يضطلعون بها، والمطلع على هذه الرواتب يشعر أن فيها حيفاً على الموظفين الذين لا يملكون إلا القبول بهذا القليل المتاح من الوظائف المحدودة، ولذلك فإن ظاهرة التضخم وارتفاع المستوى العام للأسعار تؤثر تأثيرا مؤلما في المستوى المعيشي للموظف في القطاع الخاص مثله مثل تأثيرها في الموظف الحكومي.
وإذا كنا نطالب المسؤولين بزيادة رواتب القطاع الخاص، فإننا نطالب بإلحاح هؤلاء الموظفين بأن يكونوا أهلا للمسؤولية وأن يعملوا على زيادة معدلات إنتاجيتهم وأن يضاعفوا من إخلاصهم في عملهم حتى تتحقق المعادلة الاقتصادية التقليدية ويتساوى الراتب مع العمل وبذلك تكون الزيادة من الناحية العملية مبررة اقتصاديا ومحللة شرعيا، أي إننا إذا كنا نحتاج إلى زيادة في رواتب الموظفين، فإننا في أمس الحاجة إلى زيادة في معدلات أداء الموظفين، لأن المواطن يعرف أننا في سباق مع الزمن ونسعى بكل جد لتحقيق معدلات عالية في تنفيذ برامج التنمية والنمو.
وقد يرى البعض أن علاوة غلاء المعيشة تزيد من تكلفة العمل وبالتالي ترفع الأسعار، وهو رأى نقبله في المدى القصير ولكن على المدى الطويل فإن علاوة غلاء المعيشة سترفع من إنتاجية الموظف إلى المستوى الذي يرفع هامش الربح إلى مستوى أعلى.
من الواضح أن الدولة في كل برامجها تضع الخطط والسياسات الداعمة للقطاع الخاص، لأن الدولة تدرك أن دور القطاع الخاص في عصر التخصيص وفى عصر منظمة التجارة العالمية.. هو الدور القائد لاقتصاد الدولة المكلف بعلاج مشكلاتنا الاقتصادية وأهمها مشكلة البطالة، بمعنى أن الدولة تأمل في أن تتسع برامج القطاع الخاص لتستوعب الأعداد الكبيرة من الخريجين والخريجات، وإذا كنا نضع على كاهل القطاع الخاص هذه الآمال العريضة، فما أحوجنا إلى تشجيع الكفاءات الوطنية للالتحاق بالقطاع الخاص من خلال مجموعة من حوافز العمل وزيادة الإنتاجية.
إن الإحجام عن زيادة حوافز العمل لدى القطاع الخاص ليس في صالح القطاع الخاص في المدى البعيد ولا في صالح الاقتصاد الوطني لأن الشعور بالإحباط لدى موظفي القطاع الخاص سيضر بمساهمة القطاع الخاص في تنفيذ برامج التنمية وبالتالي سيلحق أضرارا بالغة بالاقتصاد ولا سيما أن الدولة كما ذكرنا تسعى إلى دعم القطاع الخاص حتى يكون على كفاءة جيدة للقيام بالمشاركة في تنفيذ برامج التنمية المستدامة.
إن زيادة الرواتب وبالذات حينما نضع أدوات التضخم النقدي تحت السيطرة.. ستنعش الاقتصاد وترفع معنويات الناس وتزيل الكثير من أسباب الاختلالات الأمنية وتطمئن الناس على أن حكومتهم الرحيمة لم تتخل عنهم، بل هي دائما ساهرة على راحتهم وتسعى لخيرهم ولخير كل الأجيال، وأن الأواصر بين الحكومة والشعب متلاحمة، وإن ما يؤلم الشعب هو إيلام للحكومة، وإن ما يفرح الحكومة.. يفرح بالضرورة الشعب، إنها اللحمة التي قال عنها الرسول الأمين، - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا" وهى اللحمة التي بلورها مؤسس هذا الكيان جلالة المغفور له الملك عبد العزيز وسار عليها من بعده أبناؤه الملوك البررة سعود وفيصل وخالد وفهد، وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يكمل المسيرة على المحبة والمحجة والرحمة بين الراعي والرعية.