التأثير المستقبلي لحزمة القرارات الأخيرة يتطلب قرارات إضافية

[email protected]

تكمن قوة القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء الإثنين الماضي في أنها جاءت كحزمة واحدة، بحيث يصعب الحديث عن تأثير أي قرار بمعزل عن آخر. فرغم أن بعض تلك القرارات سيكون أثرها ملموساً في الحال مثل زيادة الـ 5 في المائة على مرتبات الموظفين، فإن تأثير القرارات الأخرى سيتفاوت ليكتمل تأثيرها بوضوح في السنة الثالثة من صدور تلك القرارات. فزيادة بدل تكلفة الغلاء المتمثلة بنسبة 5 في المائة، يمكن فهمها على أنها تعويض لمعدلات التضخم التي تقارب 5 في المائة. كما أن الإعانات المقدمة لبعض السلع الأساسية ستسهم في خفض تلك السلع وسيظهر تأثيرها في الربع الأول من العام. وسيشعر المواطن بتأثير خفض الرسوم على بعض الخدمات عند استخدامه لها فقط، وإن كنت أتمنى أنها جاءت من دون تحديد مدة معينة, وأنها شملت عدداً أكبر من رسوم الخدمات الكثيرة والمتعددة، لتكون فائدتها شاملة، وتأثيرها أعم ليشمل كل قطاعات الاقتصاد المختلفة.

وهناك قرارات أخرى صدرت لها علاقة بالإسكان كتسريع إصدار نظام الرهن العقاري، وتسريع تنفيذ وحدات الإسكان الشعبي بمبلغ يصل إلى عشرة مليارات ريال، والإسراع بتفعيل قرار إنشاء الهيئة العامة للإسكان، مما سيسهم في زيادة عدد المعروض من الوحدات السكنية، وبالتالي انخفاض أسعار الإيجارات خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو الأمر الذي سيسهم في خفض تكلفة المعيشة، العامل الأكبر في ارتفاع مؤشر التضخم في المملكة.
ويأتي خفض رسوم الموانئ مساهماً في خفض تكاليف السلع المباعة محلياً، رغم أن تأثيرها لن يكون ملموساً بالحجم الكافي ما لم يتزامن معها خفض في الرسوم الجمركية. ويمكن التفكير في خفض رسوم التراخيص الصناعية والزراعية والتجارية بما في ذلك خفض تعرفة الكهرباء لتسهم في قدرة القطاع الخاص على النمو والتوظيف. ورغم أن نمو القطاع الخاص قد يتسارع مع خفض الرسوم المتعددة والمتراكبة عليه، وما قد يترتب على ذلك من زيادة التوظيف، وبالتالي زيادة وتيرة الاستقدام على حساب برامج السعودة، فإن النمو الاقتصادي العالمي وعولمة الاقتصاديات بما فيها زيادة انفتاح الاقتصاد المحلي سيسهمان في توظيف مزيد من المواطنين بجميع مستوياتهم المهارية والتعليمية.
إن التغيرات القادمة والتي سيشهدها الاقتصاد المحلي في السنوات الثلاث المقبلة قد تكون مشابهة لما حدث في السنوات الخمس الأخيرة من ناحية التسارع في النمو، مما يجعل الدعوة إلى ضرورة تحرير الاقتصاد، والمسارعة بتطبيق وتنفيذ الأنظمة والتشريعات المتعددة والتي صدرت في قطاعات شتى أمر يجب دفعه بقوة حتى لا نجد أنفسنا نعيش في الاختناق والجمود الذي نشهده اليوم. فنظام الرهن العقاري يجب ألا يتأخر أكثر مما مضى، ونظام التأمين الصحي على المواطنين يجب أن يبدأ الآن. وتطوير البنية التحتية بما فيها متطلبات البنية التحتية للمدن الصناعية يجب أن يكون من الأولويات لإنعاش القطاع الخاص. وتحديث أنظمة القضاء وتفعيل القرارات الأخيرة يجب أن يريا النور خلال العام الحالي.
إن ما نعيشه الآن من مشكلات اقتصادية واجتماعية هو نتاج الجمود الواضح في هيكل الاقتصاد المحلي. فقطاع الإسكان أهمل لدرجة أن وزارة الإسكان ألغيت تماماً بسبب غياب رؤية واضحة واستراتيجية معتمدة لقطاع الإسكان. كما أن قطاع التعليم الأولي والجامعي فشل في استيعاب القادمين إليه وإخراج مؤهلين منه لسوق العمل المحلي لغياب الرؤية الواضحة والاستراتيجية المدروسة لمواكبة التغيرات المستقبلية. وأخشى أن تأخرنا في تنفيذ خططنا واستراتيجياتنا الحالية وتغيير وتحديث الأنظمة والتشريعات بشكل جذري قد تضعنا في مستقبل مجهول بتبعات وآثار مستقبلية سيئة.
إن حزمة القرارات التي اتخذت الأسبوع الماضي ستكون آثارها المستقبلية واضحة وقادرة على مواجهة غلاء المعيشة، لكن اقتصادنا المحلي بحاجة إلى قرارات أخرى تدعم نموه المتسارع وتساعد على إيجاد حلول لمشكلات أخرى غير تكاليف المعيشة، تعمل على جعله أكثر مرونة وانفتاحاً مما هو عليه في الوقت الحالي، لتتمكن قوى السوق من تحريكه بشكل يتسم بالكفاءة والفاعلية، وبالتالي يقل الاعتماد على الحكومة ويتلاشى اللوم عن عاتقها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي