ميزانيات البحوث والتطوير استثمار المستقبل وعبء الحاضر

prof. [email protected]

ليست الحكمة في رصد ميزانية عالية وإنفاقها على البحوث والتطوير, إنما الحكمة في الجدوى الاقتصادية لما أُنفِقت فيه. ولهذا السبب نطرح السؤال التالي:
هل العائدات العالية من مبيعات الشركات سببها الإنفاق العالي على البحوث والتطوير research and development (R&D)؟ أم أن الإنفاق العالي على البحوث والتطوير (R&D) سببه المبيعات العالية للشركات ؟
قبل خمس سنوات كانت شركة تايوتا اليابانية في المرتبة الرابعة في معدًل الإنفاق على (R&D) من بين أكبر 12 شركة سيارات في العالم. ولكنها قفزت لتصبح أعلى شركة في الإنفاق على البحث والتطوير (R &D) من بين أعلى 100 شركة في العالم, بعد أن كان ترتيبها الرابع في عام 2005 م. تعتبر كذلك أكبر شركة سيارات في العالم حسب تقرير ورد في مجلة الطيف العلمية التابعة لجمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات العالمية (IEEE).
لمعرفة الحاضر, يجب علينا دراسة الماضي وفهمه فقد يستغرق الإنفاق على البحوث والتطوير وقتا طويلا قبل أن تحصل الشركة على عائدات مالية تضمن لها الاستقرار والنجاح. هناك بعض الشركات التي أنفقت الكثير على (R&D) وهي على حافة الهاوية, بل أوشكت على الإفلاس مثل شركت السيارات (فورد). إذ إنها كانت الشركة الأولى في العالم لمدة خمس سنوات في معدًل الإنفاق على الأبحاث والتطوير.
شركة أبل (Apple) تعتبر من أكبر الشركات العالمية في مجال الاختراعات, إلا أنها ليست من ضمن الـ 100 شركة الأعلى إنفاقا على (R&D).
كذلك شركة قوقل (Google) تعتبر من الشركات العملاقة في مجال الاختراعات والاكتشافات الجديدة إلا أنها تحتل المرتبة 79 من بين أحسن 100 شركة في العالم. ولأول مرة يرد اسمها ضمن الـ 100 شركة العالمية.
هناك عدد من الاحتمالات بخصوص الإنفاق المتدني لبعض الشركات الصناعية على البحوث: منهم من يقول إن سبب الإنفاق القليل على البحوث الضائقة المالية التي تعانيها بعض الشركات, فهي تسعى للحصول على المال والسيولة Cash. أو أن المساهمين لا يشجعون كثيراً الإنفاق على (R&D). أو أن منتجات الشركة تضمن لها البقاء الطويل في السوق دون منافس لأنها هي الوحيدة في الميدان.
أما بالنسبة لشركة تايوتا اليابانية, فقد أصبح الإنفاق العالي على البحوث والتطوير (R&D) سياستها المُعلنة لكي تبقى في الصدارة. بل أعلنت أنه مفتاح النجاح وسلاح المستقبل فقد بدأت في إنتاج عدد من المركبات المناسبة للقرن الحادي والعشرين.، أقل استهلاكا للوقود وأقل تأثيرا في البيئة, وذات جدوى اقتصادية عالية.
أما بالنسبة لشركة سامسونج Samsung الكورية, فإنها تعتبر ما أنفقته على البحوث والتطوير (R&D) سرً قوتها ونجاحها. في عام 2006م احتلت المرتبة التاسعة من بين 1250 شركة عالمية, وسجلت في العام نفسه أكثر من 2474 براءة اختراع في مجال صناعة الإلكترونيات, الذي كان له بالغ الأثر في تقدم الصناعة وخلق المنافسة بين الشركات المصنعة. وبهذا أصبحت تحتل المركز الثاني بعد شركة IBM في مجال الاختراعات والاكتشافات الجديدة. شركة IBM تحتل المركز الأول في مجال براءة الاختراع منذ 14 سنة.
هناك بعض المنتجات التي تحتاج إلى وقت طويل وميزانيات عالية جداً للإنفاق على البحوث وتطوير الأعمال - مثل الأدوية - قبل أن يحصل المستثمر على عائد مالي يحقق له الربح والاستقرار. كذلك صناعة البرمجيات والحواسيب وشبه الموصلات تحتاج إلى ميزانيات عالية لمتابعة الأبحاث والتطوير.
وأخيراً, يمكن القول إن عملية الإنفاق على البحوث والتطوير تختلف من شركة إلى شركة حسب المنتج وحسب البلد المصنع وسياسة التصنيع المتبعة فيه. ومما سبق نخلص إلى أن الحكمة ليست في رصد ميزانية عالية وإنفاقها على البحوث والتطوير, إنما الحكمة في الجدوى الاقتصادية لما أُنفِقت فيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي