تدوين السيرة الذاتية .. ضرورة وطنية
تجربة الأستاذ عبد الرحمن السدحان مع الكتابة التي طرحها في خميسية الراحل الكبير حمد الجاسر الخميس الماضي أثارت النقاش حول العلاقة بين كتابة السيرة الذاتية والرواية، وبدأت الحكاية عندما داخل الدكتور منصور الحازمي في المناسبة طارحا رأيه حول هذا الموضوع، مشيرا إلى أن هناك خلطا بين كتابة الرواية والسيرة الذاتية، وهنا داخل الدكتور عبد العزيز الخويطر وطرح رأيا مخالفا، إذ يرى الدكتور الخويطر أن كتابة السيرة الذاتية عمل أدبي يجب التشجيع عليه.. حتى لو جاء على شكل رواية، المهم عند (أبي محمد) أن يتم التدوين حتى لو كان في ذلك عدم توافق مع فن وأدبيات كتابة الرواية والسيرة الذاتية.
في تصوري أن كلا العلمين في مسيرة الفكر والأدب في بلادنا، الخويطر والحازمي، على حق وهما فتحا للنقاش موضوعا حيويا، فالاتجاه إلى كتابة السيرة سواء لصاحبها أو لآخرين، هو إنتاج فكري وعمل ضروري كما يطالب الخويطر، ومهم أن يتم ضبطه ليكون عملا أدبيا راقيا كما يرى وتصور الحازمي، وذلك حتى لا تؤدي (تقليعة) كتابة السيرة الذاتية التي طرحت على أنها روايات، تؤدي إلى هدم جماليات الرواية ومتطلباتها الفنية.. عموما هذه قضية أدبية جديدة سوف تكون موضوع خميسية حمد الجاسر مستقبلا.
في هذا الموضوع يهمني وأعتقد أن ما ذهب إليه الدكتور الخويطر مهم جدا، وهو أننا بحاجة إلى أن يبادر الجيل الذي عاش التحولات في مجتمعنا إلى تدوين سيرته الذاتية، فبين أيدينا الآن جيل مخضرم لديه الكثير مما يقوله وتدوين السير هو تدوين لتاريخ بلادنا، ونحن لدينا الكثير من العصاميين الذين أسسوا وبنوا الشركات والمجموعات التجارية الكبرى، وأيضا هناك المسؤولون الحكوميون الذين أسسوا وزارات وهيئات وأداروا مدنا ومشاريع كبيرة، كل هؤلاء لديهم الكثير مما يجب تدوينه كتجارب يمكن تدريسها ونقلها للأجيال المعاصرة والقادمة.
والسيرة الذاتية تعتبر مادة مهمة وشاهدا على عصر وأحداث إذا تم تدوينها بصورة علمية وموضوعية، وفي الغرب، بالذات في أمريكا، يتم تدريب الأطفال من الصغر على تدوين تجاربهم اليومية، والمؤرخون يعتمدون على كتابة السيرة في دراستهم وأبحاثهم، وحتى المحققون في القضايا الأمنية يعتمدون عليها. إنها مستودع مهم للتجربة الإنسانية بكافة جوانبها.
كما ذكرت بين أيدينا الآن جيل ممن صنعوا تاريخ وحاضر بلادنا، وممن لهم إسهاماتهم الإيجابية في الحياة.. وكلما رحل واحد منهم تحسرنا وحزنا، على رحيل شخص عزيز وعلى تجربة إنسانية تذهب ولم نستفد من تجاربها في الحياة .. وإذا فاتنا الكثير، فعلينا الآن أن نتبنى هذه (الظاهرة الثقافية) ونشجع عليها، ولتكن البداية من التعليم، كما أن علينا في وسائل الإعلام جميعاً واجبا وطنيا وأدبيا تجاه مساعدة كثيرين على تدوين سيرتهم الذاتية.