اقتصادنا أمام مفترق طرق

[email protected]

لقي منتدى التنافسية الذي رعته الهيئة العامة للاستثمار واختتم أعماله في الرياض نهاية الأسبوع الماضي، نجاحا تنظيميا وإعلاميا لافتا. وقد اتفق المشاركون فيه على أن بلادنا تملك مقومات اقتصادية وجغرافية وسياسية عديدة تؤهلها لبلوغ مستوى عال من التنافسية على الصعيد الدولي. إذ يمكن لاقتصادنا، على سبيل المثال لا الحصر، أن يكون مركزا ماليا مرموقا في منطقتنا، في حين يؤهلنا موقعنا الجغرافي لنكون نقطة عبور ووصل بحري وجوي بين الشرق والغرب. وهناك خيارات عديدة، إلا أن استغلالها والوصول لهذا المستوى من التنافسية الدولية، يتطلب منا المضي قدما بعزيمة وإرادة عالية لإعادة هيكلة اقتصادنا، وإتمام تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وتطوير مؤسساتنا وأنظمتنا، بما يناسب التغيرات المحلية والتطورات الدولية التي جرت في العقدين الأخيرين.
ولا يسع المراقب منا إلا أن يشعر بالسرور لما انتهى إليه المشاركون في هذا المنتدى من قادة تجارب التنمية الناجحة في العالم وكبار المفكرين والمتخصصين في علومها. فقد جاءت تصوراتهم وتوصياتهم مؤكدة لقناعات الكثير منا والتي ما فتئنا نؤكد عليها ونتناولها في مقالاتنا هنا. علينا أن نصغي جيدا للأفكار والمقترحات التي أوصت بها هذه الثلة من الخبراء الدوليين المرموقين، وأن نستفيد حق الاستفادة من رعايتنا هذه المنتديات والمؤتمرات، وألا يتوقف اهتمامنا وحماسنا عند الاستعدادات الأولية والمظاهر الاحتفالية والشكلية، بل نحرص أشد الحرص على ثمارها، ونترجم سريعا توصياتها كإجراءات ملزمة يجب أن تأخذ طريقها نحو التطبيق العملي في أجهزتنا وقطاعاتنا الاقتصادية كافة.
إن مما تقطع به الشواهد وتؤكده الحقائق، أن اقتصادنا زاخر بالموارد والفرص الهائلة. وهو مؤهل، دون أدنى مبالغة وبشكل قد يثير دهشة البعض، كي يتبوأ مكانة رفيعة بين اقتصادات العالم. فهو أكبر اقتصادات المنطقة العربية حجما، وأكثرها ثراء بالفرص الاستثمارية الفريدة، وأوسعها سوقا، وأوفرها حظا بالموارد، وأكثرها إغراء من حيث القوى الشرائية. وأقواها تمتعا بالاستقرار السياسي الجاذب لرؤوس الأموال الإقليمية والأجنبية. ولا ينبغي لنا في ظل هذه الفرص الزاهرة والمزايا الباهرة، أن نتأخر في التفوق على أنفسنا وتجاوز مشكلاتنا، بتطوير طريقة إدارة اقتصادنا، وتحسين أسلوب استغلالنا لمواردنا. فليس هناك ما يضمن تكرر الفرص، وإن تفويتها قد يكلف حكما قاسيا من قبل التاريخ والأجيال المقبلة.
إن تقدم وتطور أي مجتمع يعتمد، كما يرى جون تشامبرز وهو أحد المشاركين المرموقين في منتدى التنافسية، على خمس ركائز أساسية، وهي: التعليم، البنية التحية، الابتكارات، الحكومة، وتعاون الأفراد. وفي تصوري، أن أكثر ما نحتاج إليه في البدء هو تجديد حيوية القطاع العام، لأن دوره حاسم في توجيه مسيرة التنمية في اقتصادنا. وتجديد حيوية هذا القطاع يكون بتجديد دمائه، وتحديث مؤسساته، وتطوير أنظمته. قطاعنا العام في حاجة ماسة إلى دعمه أولا بكفاءات إدارية مؤهلة وشابة. فمن غير المعقول أن تظل المناصب القيادية في جهازنا الحكومي من غير تجديد لعدة عقود. اقتصادنا في حاجة إلى كفاءات شابة جديدة، نمنحها الثقة ونحملها المسؤولية، ونحيطها بأجهزة رقابة ومؤسسات مراجعة ومحاسبة دورية. إن حيوية عمرو الدباغ مثال حي على ما يمكن أن ينجزه الشباب.
وبجانب حيوية الشباب يحتاج جهازنا الحكومي إلى تحسين وتطوير هيكل المؤسسات المسيرة لأعماله وكذلك الأنظمة الحاكمة لإجراءاته. وفي هذا الصدد، نحن في حاجة للتخفيف من المركزية الشديدة في طريقة عمله. فمن طبيعة البيروقراطية الحكومية طول الإجراءات والبطء في اتخاذ القرارات. وقد اتضح لنا أن الأحداث والتطورات الاقتصادية تسبق غالبا، القرارات والسياسات الحكومية بسبب هذه المركزية. ربما كانت المركزية مناسبة لظروف الماضي لكنها لم تعد كذلك بالنسبة للحاضر. أما ما يتعلق بالأنظمة، فعلى الرغم من أن المراقبين قد لاحظوا محاولات لتطويرها في السنوات الأخيرة، إلا أنها ما زالت دون الطموحات، وهي تحتاج إلى قوة دفع مستمرة.
تبحث الدول عادة، عند تخطيط برامج التنمية واختيار استراتيجياتها الحاسمة، عن المزايا النسبية التي يوفرها لها اقتصادها، ثم تعمل جاهدة على استغلالها. وسيعتمد الحكم الصحيح على برامجنا التنموية في نهاية المطاف، على مدى قدرتها في تحسين مستوى الدخل الفردي الحقيقي وإشاعة الرخاء الاجتماعي. وهذا ما كررت قوله في أكثر من مقال، وأسعدني أن وجدت الدكتور مايكل بورتر، أستاذ إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، يؤكد عليه من خلال مشاركته في منتدى التنافسية.
ولن ننجح في بلوغ ذلك، إلا من خلال امتلاك رؤية واضحة لما نرغب أن يكون عليه اقتصادنا، ثم دعم ذلك بالتطوير أوضاعنا والقضاء على الفساد بجميع أشكاله، والتركيز على رفع مستوى إنتاجية المواطنين من خلال التعليم النوعي الرفيع والتدريب المتجدد والمستمر، ثم تبني الاستثمارات النافعة المولدة لفرص العمل أمام الناس، وتشجيع قيام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تضمن توسيع مساهمة الطبقة المتوسطة، والتي تعد قوام أي مجتمع وتؤدي فيه دورا حاسما في ديمومة وحيوية الاقتصاد الوطني. هذه الطبقة التي أخذنا نخشى تآكلها وتراجعها.
الأمم الحية تتخذ من التحديات والصعوبات أسبابا قوية لبث حيوية جديدة في حياتها. نحن أمام مفترق طرق، وأمامنا فرصة جديدة للنهوض ببلدنا. والخيار في أيدينا، والتاريخ ينتظرنا ليحكم لنا أو علينا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي