البورصات الخليجية وانهيار الأسواق العالمية

[email protected]

لم يكن مستبعداً تراجع البورصات العالمية وعملية التصحيح القاسية التي قد تطول وتمر بها حالياً الاقتصاديات الصناعية والأسواق الناشئة، بل المستغرب هو تأخر التصحيح لفترة طويلة بعد ظهور أزمة الرهن العقاري الأمريكي في الصيف الماضي وتأثر سوق الائتمان عالمياً. وقد يكون عدم استيعاب حجم وتداعيات أزمة الرهن العقاري وارتباطها بمنتجات مركبة ومهيكلة أخرى من قبل المتعاملين بجانب تطمينات المركزي الأمريكي بالالتزام بسياسة نقدية مرنة أدى إلى تأخر انتقال الأزمة إلى أسواق الأسهم. فعدد وحجم المؤسسات المالية المتأثرة بأزمة الرهن العقاري وتبعاتها التي طالت سوق منتجات الدخل والإقراض الثابت كالسندات والصكوك، سوق المنتجات المصرفية المهيكلة، سوق الائتمان والتأمين على الائتمان، تصنيف وتقييم أدوات الائتمان، بجانب استمرار ظهور ضحايا جدد ومنتجات مالية وقطاعات مرشحة للتأثر بالأزمة الحالية، كل هذه التبعات ألقت بظلالها خلال الأشهر الماضية على توقعات المستثمرين بشأن الاقتصاد الأمريكي وأدائه المستقبلي.
وعلى الرغم من تطمينات المركزي الأمريكي المتعاقبة باتباع سياسة نقدية مرنة تستهدف تحفيز النمو الاقتصادي بجانب الإعلان يوم الجمعة الماضي 18 كانون الثاني (يناير) عن تدخل أدوات السياسة المالية بتخصيص نحو 150 مليار دولار لدعم النمو، إلا أن الأسواق لم تستجب للتطمينات وتوصلت إلى ما يشبه القناعة بدخول الاقتصاد الأمريكي في دورة ركود بعد استمرار أزمة الائتمان وظهور بوادر دخول الاقتصاد الأمريكي في دائرة الركود. ولكون الاقتصاد الأمريكي هو محرك النمو العالمي، فقد تراجعت البورصات الأوروبية والآسيوية ومعظم الأسواق المالية العالمية بما في ذلك بورصات دول الخليج بنسب كبيرة تزيد في بعض الأحيان على 10 في المائة خلال الأسبوع الماضي. وقد كان للتخفيض الكبير والمفاجئ لأسعار الفائدة الأمريكية بنحو 75 نقطة أساس أثر كبير في الحفاظ على أسواق المال الأمريكية من الانهيار الأسبوع الماضي، إلا أن المخاطرة والتذبذب واحتمال انخفاضها ما زال قائماً خصوصاً مع عدم وصول نتائج بعض كبرى الشركات إلى مستوى توقعات السوق، وتداول السؤال عن حقيقة دخول الاقتصاد الأمريكي ضمن دائرة الركود حالياً.
كما يعزى ارتباط هذه الأسواق بأداء الاقتصاد الأمريكي بدرجة كبيرة إلى كون عدد كبير من الاقتصاديات العالمية تعتمد في صادراتها على السوق الأمريكية كاليابان والصين وغيرها. فإذا دخل الاقتصاد الأمريكي في دورة ركود، فإن صادراتها وبالتالي أدائها الاقتصادي سيتأثر سلباً وسينعكس هذا التأثر السلبي على أداء الشركات المدرجة في بورصات هذه الاقتصاديات نتيجة لتراجع الصادرات مباشرة أو نتيجة لتراجع الاقتصاد الكلي والطلب الداخلي الكلي. هذا قد يكون من التأثيرات المباشرة، إلا أن هناك تأثيرات غير مباشرة تطول البورصات ذات الانكشاف الأقل على الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي لا تتأثر بنفس سرعة انتقال أثر الركود إلى الشركات ذات الانكشاف والاعتماد الكبير على السوق الأمريكية. فالبورصات التابعة لدول ذات اندماج أقل في الاقتصاد العالمي، أو تلك المعتمدة على قطاعات النمو الداخلي ولا يشكل التصدير مكانة مركزية ضمن الناتج المحلي الإجمالي، فمن المفروض أن تكون في وضع أفضل من نظيراتها ذات الانكشاف الكبير في فترات اضطراب وتراجع الأسواق المالية.
وتبرز في الوقت الحالي مخاوف من دخول الاقتصاد العالمي ككل في دائرة الركود، خصوصاً وأن الأسواق المالية التابعة للاقتصادات الناشئة التي ارتفعت مساهمتها حديثاً في النمو الاقتصادي العالمي قد بدأت في التراجع الكبير، كتراجع مؤشر السينسيكس الهندي بأكثر من 10 في المائة خلال يومين في الأسبوع الماضي، وتراجع مؤشرات الصين الشينزين وشنغهاي بأنواع الأسهم المختلفة التي تشملها بأكثر من 7 في المائة عند افتتاح السوق الصينية الأسبوع الماضي. ومن وجهة نظري، فإن أكبر خطر يواجه الأسواق المالية العالمية هو حصول انهيار سريع ومفاجئ في مؤشرات الصين لأسهم الفئة (أ) A، وهي الأسهم المتداولة باليوان الصيني ومخصصة للمستثمرين الصينيين فقط، حيث شهدت هذه الفئة من الأسهم بالذات تكون فقاعة سعرية وابتعاد عن القيمة الحقيقية خلال السنتين الماضيتين مع دخول نحو 100 مليون مستثمر من الأفراد للاستثمار في هذه الفئة من الأسهم في وقت ارتفاعها ليسهموا في استدامة وتضخم الفقاعة طوال العامين السابقين. لذلك، فإن انفجار هذه الفقاعة من شأنه أن يؤثر سلبياً على مدخرات الأفراد بجانب الجهات المالية كالبنوك المنكشفة على هذه الفئة من الأسهم، ما قد يؤدي إلى تخفيض تقييمات نمو الاقتصاد الصيني وبالتالي الدور المؤمل منه للقيام بإحداث توازن في نمو الاقتصاد العالمي عند دخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة الركود.
أما بالنسبة للبورصات الخليجية، فهي ليست بمنأى عن تحركات الأسواق الدولية والاقتصاد العالمي، إلا أن درجة تأثر القطاعات والشركات المدرجة تتباين تبعاً لدرجة اعتمادها على التصدير إلى الاقتصادات التي قد تتضرر من ركود الاقتصاد العالمي. بيد أن الشركات التي تعتمد على محركات نمو محلية، كشركات النفع العام، شركات الإنشاء والتطوير العقاري، الشركات الغذائية التي تستهدف السوق المحلية فهي في وضع أفضل وسيكون تأثير التراجع العام عليها محدوداً حين يهدأ الغبار ويكتشف المتعاملون أن نتائجها ومضاعفاتها المالية مغرية مقارنة بأي من الخيارات التقليدية. ولكن كحال جميع الأسواق، ستحكم نفسيات المتعاملين على النتائج النهائية للأداء الكلي للسوق.
وختاماً، فعلى الرغم من ظهور إشارات إلى انتقال الصدمة المالية إلى سوق السلع بتراجع الذهب، النفط، الرصاص، وغيرها، إلا أن بإمكان الاقتصاديات الخليجية الازدهار بأسعار نفط أقل من الأسعار الحالية بمراحل، إضافة إلى أن الفوائض المالية المتراكمة ستسهم بمواصلة نمو الإنفاق الحكومي وتنفيذ المشاريع التي من شأنها أن تسهم في ضمان نمو دورة الأعمال المحلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي