للموت قد خلق البنون وللردى خلق البنات
يقولون لا يعرف الشوق إلا من يكابده، وفي المقابل لا يدرك مرارة فقد الأعزاء من الأبناء إلا من امتحن بها.
الكلمات في هذا المقام غالبا ما تعجز عن وصف ما يحل بالمرء إذا فقد كبده التي تمشي على الأرض كما وصف الشاعر العربي أبناءنا إذ قال:
وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض
ومع ذلك فقد هزتني من الأعماق كلمات الزميل خالد السهيل في رثاء ابنته "لينا" بعد أن فقدها وهي في باكورة الصبا، كما جسّدت حالتي وإحساسي بعد أن فقدت ابنتي "سلوى" ولأن الرثاء إذا خرج من القلب لامس شغاف القلوب.
ولهذا فأنا أرى أن أصدق الشعر ما قيل في الرثاء، فليس فيه شبهة التكسب أو النفاق التي يزخر بها شعر المديح، ولا زيف التلفيق والتأليف والسباب في شعر الهجاء ولا المبالغة الزائدة في الشعر الوصفي.
لهذا يجد من فقد فلذة كبده عزاء في قصيدة ابن الرومي الذي فقد ابنه وتحسر عليه والتي يقول فيها:
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي فجودا فقد أودى نظيركما عندي
بُنّي الذي أهدته كفّاي للثــرى فيا عزّة المُهدى ويا حسرة المهدي
توخّى حمام الموت أوسط صبيتي فلله كيف اختار واسطة العقــد
طواه الردّى عني فأضحى مزاره بعيدا على قرب قريبا على بعــد
لقد أنجزت فيه المنايـا وعيدهـا وأخلفت الآمال ما كان من وعــد
ألحّ عليه النزف حتى أحالــه إلى صفرة الجادي عن حمرة الورد
وظل على الأيدي تتساقط نفسه ويذوي كما يذوي القضيب من الرند
فيالك من نفس تساقط أنفســا تساقط در من نظام بــلا عقــد
وقد تحسرت على "سلوى" مثل ابن الرومي وأكثر، كما تحسرت على "لينا" رحمهما الله ولا مفر من قدر ولكن القلب يتوجع والعين تدمع ومثلنا فعل أبو ذؤيب الهذلي الذي أيضا أدمته "المنايا" وأدمعته عندما قال:
قالت أميمة ما لجسمك شاحبا منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا إلا أقضّ عليك ذاك المضجع
فأجبتها أن ما لجسمي أنــه أودى بنيّ من البـلاد فودّعوا
أودى بنيّ وأعقبوني غصّه بعد الرقاد وعبرة لا تقلــع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم فإذا المنيّة أقبلت لا تدفــع
وإذا المنية أنشبت أظفارهـا ألفيت كل تميمة لا تنفـــع
وكلنا لها .. وأصدق التعازي للأخ الصديق الصدوق خالد السهيل في "لينا" جعلها الله شفيعة لوالديها.. إنا لله وإنا إليه راجعون (وبشر الصابرين).