انخفاض أسعار النفط: اتجاه جديد أم محطة مؤقتة؟ (1 من 2)

[email protected]

أسهمت العديد من الأخبار في تخفيض أسعار النفط أخيرا، ولكن السؤال الذي يصعب الإجابة عنه هو: هل هذا الانخفاض بداية لاتجاه جديد لأسعار النفط أم أنه مجرد انخفاض مؤقت؟ الإجابة صعبة، وقد تبدو مستحيلة أحياناً، لأسباب عدة أولها عدم دقة البيانات وتضاربها. وثانيها اختلاف الخبراء حول احتمال الكساد في الاقتصاد الأمريكي في عام 2008. وثالثها أن أي إجراءات تحفيزية للاقتصاد الأمريكي على أسعار النفط سيكون لها آثار متضاربة على أسواق النفط العالمية. ورابعها أن أثر ارتفاع أسعار النفط التدريجي على المستهلكين يختلف عن أثر الارتفاع المفاجئ.
ولعل أبلغ الأمثلة على تعارض البيانات هو التناقض بين بيانات معهد النفط الأمريكي وبيانات وكالة الطاقة الدولية حول الطلب الأمريكي على النفط في عام 2007. ففي الوقت الذي أعلن فيه معهد النفط الأمريكي عن بقاء الطلب على حاله تقريبا في الولايات المتحدة في عام 2007 مقارنة بالطلب في عام 2006، أكدت وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النفط ارتفع بمقدار 1.6 في المائة في أثناء الفترة نفسها، وتوقعت أن يزيد بمقدار 1 في المائة في العام الحالي. وما يزيد الطين بلة هو أن بيانات إدارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الأمريكية لا تحسم الأمر، حيث أعلنت في الأسبوع الماضي أنه في الأسابيع الأخيرة ارتفع الطلب على البنزين بمقدار 1.2 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، علما أن أسعار البنزين وصلت إلى مستويات شبه قياسية في هذه الفترة. إن تضارب البيانات بهذا الشكل يعني أنه لا يمكن قياس ردة فعل المستهلك على ارتفاع أسعار النفط بشكل دقيق، وبالتالي لا يمكن معرفة أثر انخفاض الأسعار الحالي على الطلب العالمي على النفط، ويصعب معرفة ما إذا كان الانخفاض الأخير سيستمر أم لا.
وتصبح الإجابة عن السؤال أعلاه أكثر صعوبة وتعقيداً إذا نظرنا إلى الاقتصاد الأمريكي، أكبر مستهلك للنفط في العالم. ففي الوقت الذي يجزم فيه بعض الخبراء أن الكساد سيضرب الاقتصاد الأمريكي في هذا العام، صرح بن بيرنانكي، رئيس البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي (البنك المركزي) أنه لا يتوقع حدوث كساد، ولكنه يتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي. هذا الفرق مهم لأن الدراسات أوضحت أن تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة بمقدار 1 في المائة يخفض الطلب على النفط بأكثر من 150 ألف برميل يومياً، أي أن اختلافا في التوقعات، مهما كان صغيراَ، سيؤثر في الطلب العالمي للنفط. إن تضارب التوقعات حول نمو الاقتصاد الأمريكي يجعل من الصعب التنبؤ، ليس بمستوى الأسعار فقط، وإنما باتجاهها أيضا.
وتتعقد الإجابة أكثر إذا نظرنا إلى الإجراءات التحفيزية التي تتخذها الولايات المتحدة حالياً من زيادة للإنفاق الحكومي وإعفاءات ضريبية وتخفيض لأسعار الفائدة. فإعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش عن سياسات جديدة لتحفيز النمو الاقتصادي بالتعاون مع البنك الاحتياطي الفدرالي، والتي تشمل حوافز تقدر ب 145 مليار دولار، أكد النظرة التشاؤمية لبعض المستثمرين والمحللين، الأمر الذي سينعكس على تصرفات المستثمرين والمستهلكين، وسيسهم في إيجاد حالة من التقشف تسهم في زيادة تدهور الاقتصاد الأمريكي مؤقتا، وبالتالي في تخفيض الطلب على النفط. وفي الوقت نفسه سينتج عن زيادة الإنفاق الحكومي والإعفاءات الضريبية وتخفيض أسعار الفائدة تنشيط بعض القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي سيرفع من معدلات النمو ويرفع من الطلب على النفط. إن تضارب نتائج المحفزات التي أعلنت عنها الحكومة الأمريكية يجعل من الصعب في الوقت الحالي التنبؤ حتى باتجاه أسعار النفط.
عزيزي القارئ، إذا اقتنعت أن الأمر أصبح معقداً للغاية، فانتظر حتى الفقرة التالية لأن الأمور أعقد مما تتصور ويتصوره حتى محللو البورصة في نيويورك. إن تبني إدارة الرئيس بوش لمحفزات مختلفة وتبني بنك الاحتياط الفدرالي لسياسة تخفيض أسعار الفائدة قد يعطي نتائج إيجابية، ولكن في قطاعات مختلفة وأوقات مختلفة لأن لكل محفز وقتا زمنيا يؤثر فيه يختلف عن المحفز الآخر. فأثر الإعفاءات الضريبية قد لا يظهر مثلا إلا بعد سنة، بينما لا يظهر أثر انخفاض أسعار الفائدة إلى بعد ستة أشهر، ولا يظهر أثر زيادة الإنفاق الحكومي إلا بعد ثلاثة أشهر. (الفترات مجرد أمثلة فقط). كما أن أثر هذه المحفزات يختلف من قطاع اقتصادي إلى آخر. ففي الوقت الذي تتأثر فيه بعض القطاعات بشكل مباشر وملحوظ، قد لا تتأثر قطاعات أخرى إلا بشكل قليل، وبعضها لن يتأثر على الإطلاق. وتتعقد الأمور بشكل أكبر إذا نظرنا إلى ما قاله بعض كبار الاقتصاديين من أن التحفيزات الأمريكية جاءت متأخرة، ولن تتمكن من وقف تدهور الاقتصاد الأمريكي. إن اختلاف الفترة الزمنية لظهور أثر المحفزات المختلفة، واختلاف أثرها في القطاعات الاقتصادية المختلفة يزيد من صعوبة توقع أسعار النفط واتجاهاتها.

وعلى الرغم من الصعوبات المذكورة أعلاه، إلا أنه هناك بعض الحقائق التي يمكن أن تساعدنا في الإجابة عن السؤال الذي بدأ فيه المقال، والتي سيتم مناقشتها في الحلقة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي