النفايات الرقمية
كان للتطورات الهائلة في مجال التقنية أثر واضح في حياتنا. فقد حققت لنا الرفاهية في العيش, وغيرت نمط وأسلوب حياتنا، وقدمت لنا خدمات عظيمة يعجز العقل البشري عن تخيلها أو استيعابها قبل عدة قرون من الزمن. إلا أن التقنية سلاح ذو حدين. فهي الأساس في التقدم والتطور, ولكنها - في الوقت نفسه - قد تكون سبب هلاكنا.
تحدثنا في مقال سابق عن أضرار التقنية التي لحقت بالإنسان من جراء التطور والتقدم العلمي في المخترعات الحديثة، ما جعل هيئة الأمم المتحدة وبعض الهيئات والمراكز العلمية العالمية تدق ناقوس الخطر وترفع العلم الأحمر, لأنها تعلم أننا سوف ندفع الثمن باهظا من جراء انجرافنا خلف كل جديد في عالم التقنية والمخترعات الحديثة.
سوف نتحدث في مقالنا هذا عن مشكلة النفايات الإلكترونية، والتي تعد من المشكلات البيئية المعقدة. هذه المشكلة يزيد خطرها يوما بعد يوم لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالتقدم التقني. إنها مشكلة تنمو بازدياد مطرد لأنها تعتمد على المخترعات الجديدة. وتعرف هذه المشكلة بـالنفايات الرقمية (Electronic Wastes) ومنها على سبيل المثال: الأجهزة الإلكترونية التي أصبحت غير صالحة للاستخدام, إما بسبب قدمها, أو تعطلها. وتمثل الحواسيب الجزء الأكبر من النفايات الإلكترونية. فتسارع الناس وتهافتهم على امتلاك كل ما هو جديد في عالم الحواسيب والجوالات, يُفاقم حجم هذه المشكلة.
لقد أكدت الدراسات التي أجريت على المخلفات الإلكترونية أن عدد أجهزة الحواسيب المتلفة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها خلال ثلاث سنوات أكثر من 130 مليون جهاز حاسوب. ووفق مسح تم إجراؤه في إحدى الولايات الأمريكية , وجد أنه يتم إتلاف 6000 جهاز حاسب آلي يومياً.
ما العناصر السامة التي تدخل في تصنيع الحواسيب؟
تحتوي أجهزة الحواسيب على كميات كبيرة من المركبات والعناصر الكيميائية السامة والضارة بصحة الإنسان والملوثة للبيئة. ومنها على سبيل المثال: الرصاص, الزئبق، البريليوم، والكربون ... إلخ. فالرصاص يدخل في تصنيع بطاريات أجهزة الحاسب والطابعات. والزئبق يدخل في صناعة الهواتف النقالة (الجوال) , وشاشات العرض المسطحة. والبريليوم يدخل في صناعة اللوحة الأم (Mother Board). والكربون يدخل في صناعة الطابعات, وعلى وجه الخصوص الأحبار.
ما المخاطر المحتملة من هذه العناصر السامة؟
الرصاص: يؤدي هذا العنصر إلى التسمم الحاد. وخطره يهدد جهاز المناعة والجهاز العصبي, والكلى، وقد يؤدي إلى التخلف العقلي عند الأطفال.
الزئبق: يؤثر الزئبق بشكل مباشر في الدماغ والكلى, وهو أكثر خطرا على الأجنة, ويكثر تركيزه في البحار والأنهار. وقد يتركز في الأسماك التي نعتمد عليها في غذائنا.
البريليوم: يُحدث أوراما في الدماغ, ويصيب القلب وبعض أعضاء الجسم بأمراض خطيرة.
الكربون: أستطيع تسميته بالسم الأسود، فقد يسبب مرض السرطان للجهاز التنفسي.
هناك عناصر كثيرة سامة وضارة بصحة الإنسان وملوثة للبيئة تدخل في تصنيع الحواسيب لا يتسع المجال لذكرها.
كيف تتخلص الدول الصناعية من المخلفات الإلكترونية؟
يُذكر أن 80 في المائة من النفايات الإلكترونية تُصدر إلى دول آسيا, ويبلغ نصيب الصين منها 90 في المائة. يتم استخدام جزء منها والجزء الآخر يعاد تدويره, ولكن بطريقة الحرق المباشر في الهواء, وهذا له تأثير مباشر في البيئة والإنسان.
ولكي نحمي أنفسنا وبيئتنا من مخاطر النفايات الرقمية, فإنه يجب تفعيل الخطط الوطنية والاستراتيجية والخاصة بالتعامل مع أجهزة الحواسيب والأجهزة الإلكترونية. كذلك يجب سن قوانين تحمي المستهلك من الأجهزة الرديئة, وخصوصاً تلك المصنعة في الصين والهند وغيرها من الدول, والتأكد من مطابقتها للمواصفات الدولية.