لن يخدش سجلها الرائع

[email protected]

بالتأكيد لن يخدش انفجار الحوية سمعة "أرامكو" وسجلها الرائع في السلامة المهنية على الرغم من حجم الحادث وعظم الخسائر البشرية المؤسفة الناتجة عنه، فالجميع يعلم مدى الخطورة الشديدة في التعامل مع النفط والغاز مما يجعل وقوع الحوادث وحصول خسائر بشرية ومادية أمرا محتملا في أي وقت وكلما اتسعت الأعمال وازدادت المرافق ازداد الخطر معها وازدادت معها فرص وقوع الحوادث وهذا ما نراه في الكثير من مناطق العالم, فلا أحد يستطيع أن يقلل من قدرة "أرامكو" الإدارية والفنية والتخطيطية وما لديها من كوادر متمكنة فنيا وهندسيا عالية التدريب ولكن من يستطيع أن يلغي بالكامل كل مواطن الخطر؟ ومن يستطيع أن يتجنب حصول أمور غير متوقعة أو أخطاء لم يحسب لها في مراحل التخطيط أو لم يلتفت إليها أثناء مرحلة التنفيذ؟ وهل يمكن للإدارة مهما كان لها من خبرة ودراية واهتمام بالتدريب والتطوير والحرص على أمور السلامة أن تضمن لنا عدم حصول خطأ غير مقصود أو تقصير بشري غير متعمد؟ وعلى الرغم من أن البعض ممن يختلف مع سياسة "أرامكو" في الاعتماد على المقاولين في تنفيذ الكثير من أعمالها وتشغيل الكثير من مرافقها, قد يقول إن مثل هذه السياسة هي التي أدت بـ "أرامكو" إلى أن تفقد البعض من سيطرتها المحكمة على جميع الأعمال مما يسمح ولو جزئيا بحصول تراجعات في الاحتياطيات المطلوبة في أمور السلامة وحتى في غيرها من الأمور الفنية, وقد يكون هناك جانب اقتصادي في الاعتماد على المقاولين ولكنها سياسة ربما أضرت بالبلد لأن "أرامكو" لم تكن مجرد شركة وإنما مدرسة خرجت لنا الكثير من الكوادر الوطنية المدربة التي انتفع بها المجتمع في مجالات عديدة. وهناك من يقرأ هذه السياسة على أنها تأتي في إطار ما نشهده من تراجع في حضور "أرامكو" الاجتماعي والاقتصادي وهو ما لا يستطيع المجتمع أن يتفهمه في بعض الأحيان أو أن يقبله في أحيان أخرى, فالمدن الحديثة التي بنتها "أرامكو" في السابق والمدارس الراقية التي أعطتها لنا "أرامكو" وغيرها الكثير من الإنجازات "الأرامكوية" هي كلها نماذج من الصعب علينا أن نتفهم أسباب توقفها وعدم استمرارها, فالمجتمع ما زال يثق كثيرا في "أرامكو" وما زال عنده أمل أن تعاود تلك الشركة الوطنية العملاقة دورها في التواصل الاجتماعي والاقتصادي مع مجتمعها، وما تكليفها بالتخطيط والإعداد والتنفيذ لجامعة المستقبل وهي جامعة الملك عبد الله إلا دليل قوي على أن المجتمع لا يريد من "أرامكو" إلا أن تبقى حاضرة بيننا وبقوة. وبهذه الثقة الممتدة عبر السنين فإننا على يقين أن "أرامكو" قادرة على معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع هذا الحدث وأنها بالتأكيد ستجد فيه ما تتعلم منه ما يمنع وقوع مثله في المستقبل ـ إن شاء الله ـ. بقي أن هناك أمورا قد رافقت الحادث وأثارت في النفوس أسئلة وحيرة وبعضا من الألم والمرارة, فالأخبار تقول إن "أرامكو" قد اضطرت إلى نقل جثامين بعض ضحايا الحادث إلى مستشفيات بعيدة بعد أن ضاقت بها ثلاجة الموتى في مستشفى الملك فهد في الهفوف مما دفع البعض بالمطالبة بتوسعة الثلاجة في هذه المستشفى خصوصا وأن الأحساء تقع بالقرب من طرق محلية ودولية مهمة وهي تستقبل يوميا المزيد من ضحايا حوادث السيارات، إضافة إلى ما تشهده المنطقة نفسها من نمو سكاني كبير.. ولكن السؤال هل المشكلة فقط في الثلاجة وعدم اتساعها لعدد كبير من الجثث أم أن المستشفى كله يعيش في مشكلة وهو في حاجة إلى أن تعالج مشاكله الكثيرة والاهتمام بما يعانيه من نقص في أمور كثيرة, فليست مشكلته فقط في ثلاجته. فالمستشفى هو في الأصل لم يعد يستطيع أن يلبي حاجات الأحساء بمدنها وقراها الكثيرة المنتشرة. نحن نتكلم عن منطقة ربما هي ثاني أكثف المناطق السكانية في السعودية. فالمستشفى وفي موقعه الحالي وبإمكانياته الحالية هو بالكاد يستطيع أن يلبي الحاجات الصحية لمدينة الهفوف والمبرز فقط فماذا عن القرى والتي بعضها أصبح مدنا صغيرة وهي على بعد من هذا المستشفى بمسافات قد تصعب من وصول المريض إليه. والمستشفى يعيش أيضا مشاكل داخلية متعددة ومتنوعة، فالوزارة تتعامل معه على أنه مستشفى بهذا العدد من الأسرة وبهذا العدد من العيادات وبالتالي فهو يستحق هذا العدد من الأطباء والممرضين والفنيين وهذا الكم من التموين والخدمات ومن هنا تبدأ المشاكل, فالمستشفى قد لا يحصل من الدعم والتموين ما يكفيه لتقديم خدماته الصحية وبالشكل المطلوب لهذا العدد الكبير من السكان. فالمستشفى هو أصغر حجما وأقل إمكانية من أن يلبي حاجة الأحساء والأحساء هي أكبر من أن يسد حاجتها مستشفى واحد. وهنا يأتي سؤال آخر وهو سؤال يفرض نفسه على الحدث بقوة: وهو لماذا قررت شركة أرامكو أن تغلق مستشفاها في الأحساء وأن تقلص الكثير من الخدمات الطبية التي كانت تقدمها في السابق, كان المفروض هو العكس وهو أن توسع الشركة مستشفاها في المدينة وأن تجعل منه مركزا طبيا يحوي من الخدمات والأقسام ما يلبي حاجات مثل هذا الظرف الطارئ. لماذا لا يكون هناك في الأحساء مستشفى رئيس وكبير للشركة وهي المدينة التي تقع في قلب أعمال الشركة وعلى مرمى حجر من معظم مرافقها ومعاملها المتعددة والمتنوعة. كان المطلوب أن يكون للشركة في الأحساء مستشفى من نوع خاص ومتميز يتناسب وطبيعة أعمال الشركة وفي الوقت نفسه يخدم تلك الشريحة الكبيرة من موظفي الشركة وعمالها. فللأحساء علاقة خاصة بالشركة وعلى الشركة أن تهتم بها خدميا وصحيا وإن شاء الله تتحقق فكرة معاودة نشاط مستشفى الأحساء في تقديم خدماته والأمل حتى في زيادة هذه المرافق.
وهناك من يرى أن مشكلة الأحساء ليست فقط في مستشفاها, فهناك الكثير من المشكلات والكثير من المعاناة التي يتلمسها المواطن في مستوى عموم الخدمات من طرق ومرافق وغيرها. فالأحساء اليوم تعيش اختناقا مروريا كبيرا مرده قلة طرقها وعدم كفاءتها وسوء تنظيمها ولن يحل كل هذه المشاكل مجرد بناء نفق أو سفلتة فوقية للشوارع وإن كنا لا نستطيع أن نقلل من قيمة هذا الحدث وأهمية هذا المشروع ومنافعه المرجوة إلا أن الأمر يتطلب معالجة من نوع أوسع. وهناك مشكلة المياه وهي حقا مشكلة تستحق أن ندق جرس الخطر حيالها وأن نعطيها الأولية التي تستحقها لأن الأحساء الغنية بالمياه والمعروفة بعيونها الغزيرة هي اليوم في خطر أن تفقد هذه النعمة, فمستوى المياه الجوفية فيها وهو كنزها الثمين ينخفض سنويا بمعدل متر أو أكثر وهذا لا يعني فقط مشكلة نقص في المخزون المائي وصعوبة الوصول إليه ولكن أيضا خطورة تلوث المتبقي من هذه المياه بسبب تسرب مياه البحر المالحة إليها, أما مشكلة المجاري فالحديث عنها ذو شجون, فأحياء ومناطق سكانية كبيرة هي اليوم تعيش تحت رحمة البيارات وما تفيض به من أشياء يمكن تسميتها وروائح تخنق الواحد من على بعد عشرات الأمتار, فالاهتمام بشبكات المجاري هو من باب إنقاذ المدينة وإنقاذ مواردها المائية من أن تتلوث بما يتسرب إليها من الغزو القادم من هذه البيارات, ولا ننسى أن وجود البيارات إلى جنب مساكن المواطنين هو في عرف المختصين بالصحة والسلامة من أشد الأمور خطورة على صحة المجتمع وسلامته, فحول كل بيارة هناك غيمة من الغازات والأبخرة الشديدة الضرر على صحة الإنسان ولنا أن نتصور الحال عندما يلعب الأطفال وهم يستنشقون هواءهم من هذه الغيمة, وكيف يكون الوضع مع وجود المئات من البيارات هذا إضافة إلى الضرر الناتج من تسرب مياهها إلى التربة والمياه الجوفية.
كل هذا الكلام وكل هذه الشجون لا يلغي ما تشهده الأحساء اليوم من مشاريع تنموية ونشاط في تحسين الخدمات المقدمة فيها والتي تأتي ضمن حرص واهتمام خادم الحرمين الشريفين أن تأخذ كل منطقة وكل مدينة وكل قرية وحاضرة حصتها العادلة من التنمية, فالتنمية المتوازنة والشاملة هي عنوان المرحلة التي تعيشها السعودية في الوقت الحاضر وهذا ما يعزز تفاؤل أهل الأحساء وجميع مناطق السعودية أن يجتهد كل المسؤولين وفي جميع القطاعات الخدمية في ترجمة هذا التوجه وهذا الحرص من قيادة السعودية على أرض الواقع, فالسعودية اليوم، والحمد الله، تعيش في ظروف اقتصادية ممتازة وتبقى علينا أمانة توظيف مثل هذه الظروف الاستثنائية الجيدة لخدمة المواطن والتقليل من معاناته وحل مشاكله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي