هل اكتتبتم في "بترو رابغ"؟
توجهت يوم الإثنين الماضي مع عدد من الإخوة الزملاء ( الأستاذين نجيب الزامل، وعلي المزيد، والدكاترة عبد العزيز داغستاني، علي دقاق، وفضل البوعينين)، تلبية لدعوة كريمة من المهندس سعد الدوسرى الرئيس التنفيذي لشركة بترو رابغ لزيارة مشروع الشركة العملاق في مجمعها في رابغ. وليس من شاهد كمن سمع! إنه حقا مشروع عملاق بكل ما في الكلمة من معنى. مشروع ضخم وصلت تكاليفه إلى نحو عشرة مليارات دولار. كتلته الأسمنتية تزيد عن كتلة برج دبي الأعلى في العالم، وهياكله الحديدية تتجاوز ما استخدم في برج إيفل بمراحل.
إنه المشروع الأكبر من نوعه الذي تم إنشاؤه دفعة واحدة ! وهو نموذج للمشاريع القائمة على عراقة الفكر الإنتاجي ورسوخ الخبرة الصناعية. مشروع سيعزز بحول الله تعالى، النهضة الصناعية في بلادنا، من خلال تعميق الاستفادة من ثروتنا النفطية وزيادة قيمتها المضافة، بتحويلها من نفط خام وغاز إلى منتجات نفطية مكررة ومنتجات بتروكيماوية محولة، فضلا عن توفير فرص عمل جديدة، وإنتاج سلع قابلة للتصدير. إنه مشروع سيضع بلادنا، مع المشاريع المماثلة له كمشروع ينساب وأخواتها، على صدارة قطاع التكرير وإنتاج البتروكيماويات في العالم. وأجمل ما في "بترو رابغ" أنه شارف على الاكتمال، إذ سيبدأ الإنتاج خلال العام الجارى!
عندما تدخل من بوابة أي مجمع صناعي من مجمعات شركة أرامكو السعودية تلحظ فارقا كبيرا في الجو العام والبيئة السائدة بين ما هو داخل أسوارها وما هو واقع خارجها. في مثل هذه المجمعات لا تستطيع أن تفرق بين رئيس الشركة وموظفيه! إنهم نوع من البشر الذين أُرضعوا الهمم العالية، وتدرجوا في مسالك الحرفية الوافية والمهنية الكافية، وتجذرت فيهم قيم العمل الراقية، وبعدت عنهم مظاهر الترف البالية! إنها بيئة عمل لرجال صقلتهم حصيلة تراكم سنين طوال من ثقافة عمل مغايرة، وحصاد طرائق حياة عامرة. لو امتدت مظلتها لجميع قطاعاتنا ومؤسساتنا الاقتصادية، لكان لنا اليوم شأن اقتصادي آخر بين أمم الأرض!
"بترو رابغ" مثال للمشاريع التي تتحدث عن نفسها! إنه نموذج للمشاريع النافعة التي تعكس رؤى صائبة وعزائم ماضية، لرجال لا تلهيهم مظاهر زائفة، ولا تخبو عندهم التطلعات السامقة. إن كل وصف أسرده هنا عن الرجال أو المكان يتوارى ويتضاءل أمام الحقيقة الباهرة!
يعد مجمع "بترو رابغ" أحد أضخم مشاريع تكرير النفط وإنتاج البتروكيماويات وأكثرها تكاملاً وتطوراً على مستوى العالم. وسيستفيد من مزايا عديدة أهمها حصوله على مورد مستقر وطويل الأمد للمواد الخام، فضلا عن موقعه الاستراتيجي بالقرب من الأسواق العالمية.
وتتوزع ملكية هذا المشروع مناصفة بين شركتي أرامكو السعودية وسوميتومو كيميكال اليابانية. وهو ثمرة رؤى وأفكار حصيفة، ودراسات جدوى شاملة وعميقة، بدأت منذ عام 2005م. يضم هذا المجمع ثلاث مناطق رئيسة:
الأولى مصفاة لتكرير النفط العربي الثقيل لإنتاج الجازولين والنفثا والكيروسين، تبلغ طاقتها الإنتاجية 17.2 مليون طن، وتعد واحدة من أكبر 15 مصفاة في العالم، ستسهم في إنتاج نحو خُمس إنتاج بلادنا من النفط المكرر.
أما الثانية فقد أقيم عليها مصانع لإنتاج نحو 2.4 مليون طن من البتروكيماويات مثل الإثيلين والبروبلين ونحوهما، وستستخدم تقنية متقدمة لا يوجد لها مثيل سوى في اليابان . كانت هياكل هذه المعالجات من الضخامة ما جعلها شبيهة بصواريخ حمل مركبات الفضاء، واحتلت عند نقلها ظهر سفينة كاملة، واستخدم في رفعها وتثبيتها إحدى أكبر رافعتين في العالم يتطلب استئجارها حجزا مسبقا لسنتين سابقتين!
أما المنطقة الثالثة فقد جهزت بالبنى التحتية اللازمة لإقامة أكثر من 50 مصنعا لتحويل المنتجات البتروكيماوية الأساسية إلى ما بين 30 إلى 50 نوعا من المنتجات الثانوية المتطورة التي تدخل في صناعة عدد واسع من السلع المستخدمة في حياتنا المعاصرة، كالعوازل، والبلاستيك، والقطع اللازمة لتصنيع شرائح تقنية المعلومات، والأصباغ، وقطع غيار السيارات ونحوها. وهي منطقة مغرية للمستثمرين الصناعيين من أصحاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية لإمكانية حصولهم على المدخلات الأولية بأسعار مضمونة، فضلا عن الاستفادة من بعض المرافق التي تسهم في خفض تكاليفهم. وقد وفر هذا المشروع العملاق لمؤسسات تمويل سعودية، ولشركات وطنية رست عليها عطاءات في مجال الخدمات المساندة.
ومن المزايا المشرقة لهذا المشروع اهتمامه بتوظيف الأيدي العاملة الوطنية وتأهيلهم ليكونوا من الأفضل في هذه الصناعة عالميا. وحاليا يعمل في المشروع ألفا موظف، 80 في المائة منهم سعوديون. وقد تم أخيرا تخريج أول دفعة من برنامج التأهيل الفني الذي ترعاه الشركة ومدته سنتان، ضمت 370 شابا سعوديا نالوا، بجانب المكافآت والسكن المجاني، تأهيلا وتدريبا رفيعا داخليا وخارجيا. وقد نجحوا في التطبيق العملي لما تلقوه من تدريب. وستتلوها دفعات أخرى. إن مهمة التأهيل والتدريب هو جزء أساسي من فلسفة الشركة وعملها، وهذا هو الجانب المشرق والمهم، لأننا لا نريد مشاريع تركز على توليد أرباح مالية دون أرباح حقيقية في القوى العاملة البشرية. إن طموح الشركة في هذا المجال لا يخبو، فبرامج التدريب التي تتبناها ستكون مستمرة ومتطورة لتجعلها محط أنظار الجميع عالميا، وشعارهم الذي يعملون عليه هو: "من أراد تعلم صناعة التكرير والبتروكيماويات، فالمكان الصحيح هو بترو رابغ".
بمثل هذه المشاريع تبنى الأوطان وتزدهر. هل اكتتبتم في بترو رابغ ؟ وابتعدتم عن مخاطر مضاربات تترككم يوما كهشيم المحتظر!