نظرات في مسألة الاعتراض على أحكام المحكمين
نظمت المواد من 18 إلى 21 من نظام التحكيم السعودي إجراءات الرقابة القضائية على أحكام المحكمين وقررت تمتعها بالقوة التنفيذية, حيث نصت المادة 18 على ما يلي: "جميع الأحكام الصادرة من المحكمين ولو كانت صادرة بإجراء من إجراءات التحقيق يجب إيداعها خلال خمسة أيام لدى الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع وإبلاغ الخصوم بصور منها. ويجوز للخصوم تقديم اعتراضاتهم على ما يصدر من المحكمين إلى الجهة التي أودع لديها الحكم خلال 15 يوماً من تاريخ إبلاغهم بأحكام المحكمين وإلا أصبحت نهائية".
وقررت المادة 19 ما يلي: "إذا قدم الخصوم أو أحدهم اعتراضا على حكم المحكمين خلال المدة المنصوص عليها في المادة السابقة تنظر الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع في الاعتراض وتقرر إما رفضه وتصدر الأمر بتنفيذ الحكم أو قبول الاعتراض وتفصل فيه".
وقررت المادة 20 ما يلي: "يكون حكم المحكمين واجب التنفيذ عندما يصبح نهائيا وذلك بأمر من الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع ويصدر هذا الأمر بناء على طلب أحد ذوي الشأن بعد التثبت من عدم وجود ما يمنع من تنفيذه شرعاً".
وقررت المادة 21 ما يلي: "يعتبر الحكم الصادر من المحكمين بعد إصدار الأمر بتنفيذه حسب المادة السابقة في قوة الحكم الصادر من الجهات التي أصدرت الأمر بالتنفيذ".
يستدل من هذه النصوص أن حكم التحكيم هو حكم له جميع خصائص الأحكام الصادرة من السلطة القضائية في الدولة, ويتم الاعتراض عليه من الخصوم أو أحدهم خلال المدة المنصوص عليها في المادة 18 من نظام التحكيم أمام الجهة القضائية المختصة أصلاً بنظر النزاع. ويكون حكم التحكيم نهائياً وواجب النفاذ في الحالات الآتية:
1- إذا لم يقدم أحد من الخصوم اعتراضا على الحكم خلال 15 يوماً من تاريخ إبلاغ الخصوم بالحكم.
2- إذا قدم أحد الخصوم اعتراضا على الحكم أمام الجهة القضائية المختصة أصلاً بنظر النزاع ورفض اعتراضه.
3- إذا قبل الاعتراض من الجهة القضائية المختصة أصلاً بنظر الاعتراض وفصلت فيه بحكم, فيصبح هذا الحكم الصادر من هذه الجهة هو الحكم النهائي الواجب التنفيذ. بمعنى آخر أن هذا الحكم يعد باتاً وقطعياً ولا يجوز استئنافه أو الاعتراض عليه.
وفي الواقع العملي نجد أن العمل في المحاكم العامة وديوان المظالم قد استقر على النظر في الاعتراضات على أحكام المحكمين حسب درجات التقاضي ابتدائياً واستئنافياً والتي نص عليها نظام المرافعات الشرعية وقواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 190 وتاريخ 16/11/1409هـ. بعبارة أخرى أن الحكم الذي تصدره الجهة القضائية المختصة بشأن قبول أو رفض الاعتراض على حكم التحكيم قابل للاستئناف والاعتراض عليه أمام المحكمة أو الهيئة القضائية الأعلى درجة فمثلاً إذا صدر هذا الحكم من المحكمة العامة فإنه يكون قابلا للطعن فيه والاعتراض عليه أمام محكمة التمييز, وإن كان الحكم صادراً من إحدى دوائر ديوان المظالم يكون قابلاً للطعن فيه والاعتراض عليه أمام إحدى دوائر التدقيق في الديوان. وبذلك تمر الدعوى التحكيمية بثلاث درجات أي بزيادة درجة عن الدعوى القضائية, فالدرجة الأولى هيئة التحكيم والدرجة الثانية المحكمة أو الدوائر القضائية المختصة والدرجة الثالثة والأخيرة محكمة التمييز أو دائرة التدقيق في ديوان المظالم. وعندما يطبق نظام القضاء ونظام ديوان المظالم الجديدين, ستمر الدعوة التحكيمية بأربع درجات لأن النظامين الجديدين جعلا التقاضي على ثلاث درجات, هي الدرجة الابتدائية والدرجة الاستئنافية ودرجة النقض أمام المحكمة العليا. ومما تقدم يتضح أن الفصل في المنازعات عن طريق التحكيم يستغرق وقتاً أطول من الفصل فيها مباشرة عن طريق القضاء. وهو أمر يتنافى مع أحد الأهداف الرئيسة من اللجوء إلى التحكيم, وهو سرعة الفصل في النزاع. فهذا التطويل في الإجراءات يؤدي إلى إطالة أمد النزاع, وهو أمر لا يتناسب مع طبيعة القضايا التجارية وخصوصاً المتعلقة بعقود التجارية الدولية والاستثمارات الأجنبية, فأطراف هذه القضايا لا يفضلون التحكيم إلا على أساس ما يتمتع به من مزايا, ومنها سرعة الفصل في المنازعات. ولذلك فإن قوانين بعض الدول توجب عدم جواز الطعن في أحكام المحكمين بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية إلا إذا كان الطعن قائما على أساس بطلان حكم التحكيم في حالات محددة على سبيل الحصر مثل عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلانه أو قابليته للإبطال أو سقوطه بانتهاء مدته. ولا أفضل هذا الاتجاه لأن الرقابة القضائية على أحكام المحكمين أمر ضروري لتحقيق العدالة إذ عن طريقها يمكن تصحيح الأخطاء التي قد تشوب حكم التحكيم. ولكن ينبغي أن تكون هذه الرقابة بطريقة تتلاءم مع طبيعة وأهداف التحكيم وفي مقدمتها سرعة الفصل في المنازعات.
ولذلك فإنني أقترح أن يعدل نظام التحكيم السعودي بحيث ينص صراحة على ما يلي:
1- لا يجوز الاعتراض على حكم التحكيم إذا اتفق الخصوم في وثيقة التحكيم أن يكون حكم المحكمين نهائياً وواجب النفاذ, لأن مثل هذا الاتفاق يعتبر إسقاطا مسبقاً من الخصوم لحق الاعتراض على حكم التحكيم, فكما يجوز للمحكوم عليه القناعة بالحكم وعدم الاعتراض عليه خلال المهلة النظامية المحددة فإنني لا أرى مانعاً من أن يتفق مسبقاً أطراف الدعوة التحكيمية على إسقاط حقهم في الاعتراض على حكم التحكيم.
2- وفي حالة عدم اتفاق الخصوم على نهائية حكم التحكيم فإنه لا يجوز استئناف أحكام الجهة القضائية المختصة أصلا بنظر النزاع بشأن قبول أو رفض الاعتراض على حكم التحكيم أمام المحاكم والهيئات القضائية التي تستأنف أمامها الأحكام القضائية لهذه الجهة.
أرجو أن تتقبل الجهات المعنية هذا الاقتراح بقبول حسن وتسعى إلى تحقيقه.