الشعر المنثور.. والنثر المشعور (2)
في العدد السابق ذكرنا عن الفرق بين "الشعر المنثور" .. والشعر المتميز بالوزن والقافية.. وذكرنا أن موضوع الاعتراف (بالنثر المشعرن) لا يزال موضع خلاف عند المختصين .. وأوردنا نماذج من ذلك الشعر .. وما دام (الاجتهاد) في الشعر مفتوحا فقد ذكرت أنني (من باب اللقافة) اكتشفت طريقة جديدة في التعبير عن الأحاسيس والمشاعر: ليس "بالشعر الموزون" ولا "بالشعر المنثور" ولكن (بالنثر المشعور).
ومثال على ذلك وبمناسبة عيد الأضحى ومروري بوادي (عبقر) فقد جاءت (العبقرية) بهذه القطعة المقطعة من (النثر المشعور).
أقبل العيد السعيد.. فانفرطت سبحتنا.. وتناثرت شلتنا.. وتفرقت شلتنا.. فصديقي الأدغم.. والمحترم الأفخم.. حلفت عليه أمه.. أن يحج بها.. فتضاعف همه.. وصاح يا أماه.. وللمرة الخمسين.. تحجين.. الفرض وحجيتيه.. خمسين مرة...أرجوك ولو مرة.. اقبلي الجلوس.. ودعيني أوفر الفلوس.. للعروس.. نصفي الثاني اللذيذ.. نصف ديني العزيز.. لكن أمه.. أصرت في بكاء.. وطار عقله.. وأسرع للمطار.. وطارت الطيور.. وهو في المطار.. وطال الانتظار.. واستخار.. وأخذ أمه.. وعلى بساط الريح.. في سيارة تكسي.. يسوقه جبار.. حمل أمه.. وهناك.. في الحرم والمسعى.. في منى عند الجمرات.. حمل أمه.. وعيناه محمرات.. ورجم إبليس.. بأحجار كاليبيس.. وأخذ الكبش.. فدى أمه.. وفي المجزرة.. طار الكبش.. خطفه نسر أسود.. وبهت الأدغم.. وهو يرى كبشه.. يتلاشى كالسراب.. بين سكاكين النسور.. السود الأسود.. ورجع يبكي.. في حضن أمه.. هذا صديقي الأدغم.. أما صديقي الأشهب.. طلبت منه بعلته الغالية.. أن يضحي لحماته.. فابتسم وقال.. أي نعم.. وفي صباح العيد.. ابتسم.. وقال يا بعلتي العزيزة.. لقد اشتركت مع سبعة.. في جمل.. محترم.. كبير كالجبل.. وابتسم الخبيث.. وخرج نحو السوق.. وذهب.. للمقصب.. واشترى ما تيسر.. لحم جمل.. وعاد باللحم.. ومر العيد.. وامتلأ البيت بالقديد.. أما الصديق الثالث.. فقد رحل.. للقمر وزحل..استلف.. كم ألف.. ورحل.. وطار في كبسولة.. للخسارة والسهر.. وليالي الغجر.. والقدر.. يترصد له في شوق.. عند أمين الصندوق.. وأنا.. بقيت وحدي.. بلا عمل.. أنا والملل.. بين النوم والكسل.. وعيوني دامعة.. من تقشير البصل.. سائلا في تأمل.. وتحمل.. من هو السابق أول.. في الوجود.. أهي البيضة أول.. أم هو الكتكوت أول.. لا إجابة.. جعلت ذهني يغيب .. ثم أنسى.. أنني أقشر البصل.. وأجرح إصبعي.. وأصرخ.. ويسيل الدمع الغالي.. فألعن بحث بيزنطة.. وأعود وعيوني دامعة.. للتأمل والتحمل والكسل.. فأتوب.. عن ترقيع الثقوب. (ومن كل الذنوب).
هذه القطعة من (النثر المشعور) لو كان قائلها ذاك الذي وصفه أحمد شوقي في قصيدته التي يشكو فيها (الهموم الثقال) مخاطبا بطل مصر في "حمل الأثقال". مستهينا (حمل الأثقال) بالنسبة (لحمل الهموم الثقال):
أحملت دينا في حياتك مرة أحملت يوما في الضلوع غليلا
أحملت ظلما من قريب غادرٍ أو كاشحٍ بالأمس كان خليـلا
أحملت منّا بالنهار مكـررا والليل من مسد إليك جميــلا
أحملت طغيان اللئيم إذا اغتنى أو نال من جاه الأمور قليــلا
أحملت في النادي الغبي إذا التقى من سامعيــه الحمد والتبجيلا
تلك الحياة وهـذه أثقالهـــا وُزِنَ الحديدُ بها فعاد ضئيـلا
وأعود وأقول لو كان قائل (النثر المشعور) ذاك (الغبي المقتدر الغني) والذي دائما يلقى من سامعيه الحمد والتبجيلا.. لقال منافقوه إن هذا "النثر المشعور" هو حقا (الدر المنثور)؟!