المستهلك.. "رب ضارة نافعة"!

[email protected]

أكبر ضرر للمستهلك هو أن تتم مناقشة القضايا الحيوية التي تؤثر فيه بطريقة عاطفية على حساب الحقائق الموضوعية، وتبرز الآن أمامنا قضية أسعار منتجات صناعة الألبان التي تثار لأجل الفوز بالقلوب.. وليس العقول!
طبعاً الفوز بالقلوب أسهل من الفوز بالعقول، لأن الأول لا يتطلب سوى استجلاب العبارات المشاعة عن الشركات والتجار الذين يسعون إلى الغش والخديعة وسرق اللقمة من ( أفواه الغلابا)، وهواة الفوز بالقلوب لا يجدون غضاضة في التشهير لأننا نقبل (ثقافياً) إطلاق العموميات حتى لو كانت جارحة وخطيرة، ففي هذا الإطار الثقافي بمداه المطلق يجد المتاجرون بالمشاعر فرصتهم الذهبية.
صناعة الألبان في المملكة تواجه الآن ومستقبلاً ظروفا صعبة، فهي من الصناعات المعقدة التي تتعدد فيها مدخلات الإنتاج، والتغيرات في الأسعار محلياً وعالمياًَ لهذه المدخلات تؤثر في التكلفة النهائية، والصناعة أمامها فترة ليست قصيرة لتوطين أغلب مدخلاتها وأيضاً تحتاج إلى الوقت لتوطين التقنية وتدريب القوى البشرية الوطنية.
أيضاً ستواجه الصناعة حقيقة مرة وهي ضرورة ترشيد استخدام المياه وهناك خطوات وإجراءات وطنية سوف تتخذ في السنوات القادمة لترشيد استخدام المياه في هذه الصناعة، ولن نتحدث عن المدى السلبي لمثل هذا الإجراء، وكل الذي نرجوه هو ألا يكون مضراً بالصناعة.
صناعة الألبان مهمة للاقتصاد الوطني لأن فيها قيمة مضافة حقيقية، وقد عملت الدولة لسنوات طويلة لبناء هذه الصناعة حتى تكون رافدا رئيسياً للأمن الغذائي، وإيجاد صناعة غذائية كان من المتطلبات الضرورية التي نادي بها كثيرون قبل عشرين عاماً عندما قفزت معدلات الإنتاج الزراعي وأصبحت وفرة الإنتاج تقود إلى الخسارة الوطنية إذا لم تكن هناك صناعة غذائية.
ولاشك أن المستهلك السعودي استفاد من صناعة الألبان فقد توافرت المنتجات وتنوعت وأتاح السوق المفتوح للشركات التنافس في طرح المنتجات وفي خفض الأسعار، والتنافس على خفض الأسعار قبل عشر سنوات قبلناه ورحبنا به ودعمناه وكان ضربة للمنشآت الصغيرة التي لم تستطع المنافسة، مما أدى إلى خروج الكثير منها، والمنشات الكبرى استطاعت البقاء لأنها تنتج بوفرة، فالتكلفة تقل كلما ارتفع حجم الإنتاج.
كل الذي نرجوه ألا نتضرر كمستهلكين مستقبلاً كما تضرر صغار المنتجين في قطاع الألبان، فالصناعة (حساسة جداً) ويجب التعامل معها بحذر بعيداً عن العاطفة، فنحن كمستهلكين قد نتضرر من ارتفاع الأسعار الآن ولكن الضرر علينا سيكون أكبر وأعمق عندما تتأثر الشركات الكبرى وقد تخرج من الصناعة، فالبديل ربما يكون المستورد، وكلنا نعرف أن الواردات هي المصدر الكبير للتضخم في الأسعار.
كمستهلكين علينا أن نتوقع ارتفاعات متتالية ومتعددة في أسعار السلع بأنواعها، بالذات المواد الغذائية، وهذه حقيقة لا مفر منها، وأسلم طريقة لمواجهتها تبدأ من تبني التوعية المكثفة بضرورة إدارة الموارد المالية بطريقة أكثر كفاءة بالذات لدى الأسرة الفقيرة والمتوسطة، ودفع أفرادها القادرين إلى العمل، مع إيجاد برنامج وطني لدعم المؤسسات الأهلية والتطوعية التي تعمل مع الفقراء، والدولة عليها العمل على ضرورة تكثيف الجهود الحكومية لتنمية موارد هذه المؤسسات، سواء عبر رفع كفاءة جباية الزكاة من الشركات والمؤسسات أو عبر الدعم المباشر لهذه الجمعيات.
وهذه الجهود الاجتماعية والحكومية هي الأفضل لنا ولاقتصادنا، أما الاتجاه إلى محاربة القطاع الخاص وتدمير وحداته الإنتاجية تحت ذريعة حماية المستهلك فهذا كان شعار المجتمعات العربية قبل أربعين عاما وهي شعارات تعبوية أدت إلى تدمير القطاع الخاص وبناء القطاع العام.. والخاسر الأكبر هو المستهلك والاقتصاد!
إن أفضل طريقة لحماية المستهلك.. هي في توعيته كيف يتعامل مع الوضع القائم، كيف يرتب أولوياته؟ كيف يبحث في الخيارات التي أمامه؟ فارتفاع الأسعار لسلع معينة قد يعطي الفرصة البديلة لمنتجات أخرى أقل سعراً، وأفضل جودة، و"رب ضارة نافعة"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي