استثمارات المملكة الحكومية بين مدرستين

[email protected]

تشير تقارير بيوت خبرة مالية عالمية إلى أن دول مجلس التعاون الخليجية تمتلك رساميل ضخمة تستثمرها بواسطة صناديق سيادية أو عن طريق البنوك المركزية بشكل مباشر، وآخر تلك التقارير أشارت إلى أن دولة الإمارات تستثمر نحو (625) مليار دولار والمملكة نحو (258) مليار دولار والكويت (213) مليار دولار وأخيرا قطر نحو (60) مليار دولار، وبهذا يكون مجموع أصول الصناديق الحكومية الخليجية يقترب من (1200) مليار وهو رقم ضخم للغاية ويحتاج إلى كفاءة ومهارة فائقة لإدارتها لا من أجل تنميتها فقط بل للمحافظة عليها من مخاطر قد تفقدها جزءا من قيمتها.
وإذا أخذنا على سبيل المثال المملكة فسنجد أن الأصول التي تمتلكها الدولة تدار بشكل مباشر من قبل مؤسسة النقد وجزء يسير منها يدار داخليا عن طريق صندوق الاستثمارات العامة، وتجربة المملكة في إدارة استثماراتها داخليا تعد ناجحة نوعا ما، ولعل نموذج شركة سابك دليل على ذلك، أما تجربتها في إدارة استثماراتها خارجيا فيحتاج إلى وقفة حان موعدها لعدة أسباب منها أن معظم أصول المملكة خارجيا تستثمر في قنوات تقليدية مثل السندات التي رغم انخفاض مخاطرها فإنها لا تعود على الدولة بأرباح مجزية أو على الأقل متوسطة، في حين أن كثيرا من الصناديق الخليجية تستثمر بشكل مباشر في أسواق المال العالمية وهو ما جعلها تحقق أرباحا مجزية.
انخفاض قيمة العملة الأمريكية في السنوات الماضية أمام معظم العملات العالمية جعل أرباح الاستثمارات السعودية في الخارج تتلاشى تقريبا، بل إن احتكار العملة الأمريكية للاستثمارات السعودية في الخارج جعلها تخسر جزءا كبيرا من قيمتها أمام العملات الأخرى وهذا هو السبب الأهم في رأيي الذي جعل السلطات النقدية لدينا تتردد كثيرا في تغيير سعر صرف الريال أمام الدولار أو ربطه بسلة عملات عالمية.
من الأهداف الاستراتيجية لأي مستثمر بل من متطلبات الاستثمار أيا كان نوعه أن لا يوضع البيض في سلة واحدة كأن يقتصر على السندات الحكومية رغم مخاطرها المنخفضة بل ينبغي تنويع أدوات الاستثمار من جهة وتنويع جغرافيته من جهة ثانية و أن يكون ذلك في سلم أولويات القائمين عليه.
لقد حان الوقت من وجهة نظري لإجراء تغييرات جذرية في سياسة المملكة في إدارة استثماراتها في الخارج والداخل لأسباب كثيرة لعل من أهمها تعظيم العوائد وتخفيض المخاطر التي لا ترتبط بنوع الاستثمار بل بمكانه، وأيضا جني أرباح الاستثمارات القائمة التي تمتلكها الحكومة.
فالاستثمارات الداخلية للدولة ينبغي أو ينتظر أن تقود وتشجع على اقتحام مجالات جديدة يتردد القطاع الخاص في الاستثمار فيها كما حدث قبل نحو ثلاثة عقود عندما أسست شركة سابك التي تعد اليوم من كبريات الشركات العالمية في مجالها، وأيضا ينبغي أن تتخلص الدولة من بعض استثماراتها في سوق الأسهم المحلية وتعيد توظيف عوائدها في مشاريع جديدة وهذا يتطلب مرونة في إدارة تلك الاستثمارات وجهازا استثماريا يتميز بالكفاءة يتمتع بصلاحيات ومرونة في اتخاذ قراراته الاستثمارية.
أما الاستثمارات الخارجية فتحتاج إلى إنشاء هيئة مستقلة لإدارتها تتمتع بصلاحيات ومرونة في اتخاذ القرارات والتي بدورها ينبغي أن تبادر إلى تنويع محفظة الاستثمار وتوسيع عدد الدول أو الأسواق التي تتعامل معها، فهناك أسواق ناشئة يتوقع أن تنمو بشكل كبير خلال السنوات المقبلة مثل السوق الهندية والصينية وأسواق بعض الدول الآسيوية ودول أمريكا الجنوبية.
إن الفرص الاستثمارية التي يمكن أن تستغل في الأسواق العالمية كثيرة لكنها تحتاج إلى جهاز مستقل يبحث عنها ويديرها فهي تعود بأرباح مجزية مع مرور الوقت وتنوع من أدوات الاستثمار وتخفض مخاطره، كما أن الفرص الاستثمارية التي تروج لها هيئة الاستثمار لدينا قنوات مناسبة للاستثمارات الحكومية الداخلية ولا سيما أن ذلك سيسهم في دخول القطاع الخاص للاستثمار فيها مع مرور الوقت.
آمل أن يحظى موضوع إدارة الاستثمارات الحكومية باهتمام يليق بحجمها وأهميتها الاستراتيجية وحسب علمي فإن هذا الموضوع كان أحد أهم محاور البحث في منتدى الرياض الاقتصادي الذي أقيم قبل أسابيع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي