أفضل أيام الدنيا

[email protected]

يوافق صدور مقال اليوم أحب الأيام وأعظمها إلى الله، فقد أقسم به جل جلاله وهو لا يقسم إلا بعظيم. أكرمنا بأن جعل مواسمَ الطاعات علينا متواترة، نستكثر فيها من العمل الصالح، ونتنافس بما يقرِّبنا إليه، لنفوز بعدها فوزاً عظيماً. قال صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أحب إلى الله أن يُتعبَّد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيامُ كلّ يومٍ منها بسنة، وكل ليلةٍ منها بقيام ليلة القدر"رواه ابن ماجه والترمذي. فالأيام العشر فرصة لكل المؤمنين في الأرض ليستغلوها خير استغلال ويصيبوا عظيم الأجر.حيث شرع الله لمن لم يشهد الحج أموراً تجعله يحيا ويستشعر نسماته ورحماته. فمن صام (مثلاً) من غير الحجيج هذا اليوم وهو في بلاده على بعد آلاف الكيلومترات من مكة ومن أي مكان في العالم، وعده الله بتكفير ذنوبه (قبل وبعد).. فأي نعمة وأي فضل أعظم من هذا!
رُوي في المستطرف، الفصل الخامس في مباني الإسلام عن الحج وفضله، أنه لما بنى آدم عليه السلام البيت قال "يا رب إن لكل عامل أجراً، فما أجر عملي؟ قال: إذا طفت به غفرت لك ذنوبك .قال: زدني. قال: جعلته قِبّلة لك ولأولادك، قال: يا رب زدني. قال: أغفر لكل من أستغفرني من الطائفين به من أهل التوحيد من أولادك. قال:يارب حسبي". وقد استوقفني حقيقة مقال يعدد منافع الحج الكثيرة للدكتورعبد السلام السرجاني، حيث يقول إن "المنفعة الأهم في الحج أنه يذكّر الأمة كلها - الحجاج وغير الحجاج - بيوم القيامة؛ فوجه الشبه كبير جدًا بين الحج ويوم القيامة لأن الحاج يمرّ بأكثر من موقف يذكره بيوم القيامة ويعود فيحكيه لكثير من الناس ، فيذكرهم وينفعهم.ولا شك أن معظم الفساد والمعاصي التي تحدث في الأرض إنما تحدث بسبب نسيان يوم القيامة.. فصلاح الأرض في تذكر يوم الحسـاب. ومن منافع الحج الكبرى ترسيخ فكرة الأمة الواحدة ، فالحج مؤتمر إسلامي عالمي مهيب، يلتقي فيه المسلمون من كل أقطار الدنيا، فيُغرس في القلوب شعور الأمة الواحدة، وخاصة في هذا الزمن الذي تمرّ فيه الأمة بحالة تناحر وشرذمة متنامية. كما أن شعيرة الحج تعطي أملاً كبيرًا للكثيرمن عصاة المسلمين الذين أسرفوا على أنفسهم بالرجوع من حجهم كيوم ولدتهم أمهاتهم ، مهما ارتكبوا من الذنوب والمعاصي والآثام قبل حجهم. مما يترك أثراً واضحاً في الأمة الإسلامية بأسرها؛ لأنها في كل عام تكتسب أفرادًا جددًا جاوزوا الإحباط بتوبتهم، وأضيفوا إلى قوة وطاقة الأمة الإسلامية. ومن المنافع أيضاً التذكير بالحرب الدائمة والمستمرّة مع الشيطان، العدو القديم الأكبرالذي يعدّ لنا كل يوم ألف عُدّة، ونحن عنه غافلون، فيأتي الحج ليوقظ نومنا، وذلك عندما نرى هذه الحشود الهائلة وهي ترجم الشيطان الرجيم . وفي الحج أيضاً تدريب عملي على البعد عن ترف الدنيا ونعيمها، من ملبس ومأكل ومسكن وخلافه، ومن ثَمَّ فالذين يسرفون في النفقات وما يسمّى بالحج الفاخر، والمبالغ الباهظة التي تُنفق (وصلت تكاليف الفرد الواحد في بعض المخيمات إلى 65 ألف ريال؟؟) لم يفقهوا للأسف درس التقشف جيدًا، ولم يدركوا هذه المنفعة العظيمة من منافع الحـج.
وبعد، ليت في قلوبنا جبل عرفات نرتقي إليه فترتقي أرواحنا، وجمرات نرجم فيها عدونا كل لحظة من لحظات حياتنا فتهون متاعبنا، ليتنا نذهب طلقاء مغفورٌ لنا بصيام اليوم ودعاء اليوم وتبتل اليوم ..علَّ أوزارنا وأحزاننا تولي دون رجعة ..
قال عليه الصلاة والسلام: (خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). عليه لا أملك في أعظم أيام الدنيا إلا أن أبتهل مع المبتهلين علّ الله يشملنا برحمته ويتم علينا نعمته. اللهم لا تكتبنا من المقصرين في حق من له حق علينا. اللهم أنت أقرب إلينا من حبل الوريد وأنت على كل شيء شهيد، مطلع على هواجس الضمائر وخفيات السرائر. اللهم وكما بلغتنا فأعنا على استثمارها بعمل الطاعات. نسألك اللهم حجًا مبرورًا لكل من كُتب له الحج، وعملاً صالحًا متقبلاً لمن لم يوفق للحج، ونسألك العزة والتمكين لهذا الدين وبلادنا وبلاد المسلمين، اللهم الفردوس الأعلى من الجنة ونعمة النظر إلى وجهك في الجنة .. آمين .. آمين يا رب العالمين. كل عام وأنتم ومن تحبون بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي