خواطر قانونية على هامش قمة أوبك (1 من 2)
انعقد مؤتمر ملوك وأمراء ورؤساء دول منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) والذي جرت وسائل الإعلام على تسميته (مؤتمر قمة أوبك) في مدينة الرياض في الفترة من 7 ـ 8 ذي القعدة 1428هـ الموافق 17 ـ 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وصدر عن هذا المؤتمر إعلان تضمن العديد من المبادئ والتوجيهات ذات الصلة بالنفط والطاقة والتنمية المستدامة والبيئة.
وأثارت قمة أوبك في نفسي خواطر قانونية حول الوضع القانوني لمؤتمر القمة بالنسبة لمنظمة أوبك والطبيعة القانونية للإعلان الصادر عن مؤتمر قمة أوبك الثالثة.
أحاول في هذا المقال تناول هذين الأمرين فأقول ما يلي:
أولاً: لبيان الوضع القانوني لمؤتمر القمة تحسن الإشارة في البداية إلى أنه توجد في منظمة أوبك ثلاثة أجهزة رئيسية وهي المؤتمر الذي يتكون من مندوبي الدول الأعضاء وهم عادة وزراء النفط والطاقة في هذه الدول. ويعد المؤتمر أعلى سلطة في المنظمة. ومجلس المحافظين ويتألف من محافظين يمثلون الدول الأعضاء وتسميهم هذه الدول ويصادق المؤتمر على ذلك. والأمانة العامة وتتكون من أمين عام ونائب الأمين العام وما يلزم من الموظفين.
وفي ضوء ما تقدم يمكن أن يقال رأيان بشأن مؤتمر قمة أوبك. الرأي الأول أن هذا المؤتمر يعد جهازاً مستحدثاً وليس مجرد اجتماع لمؤتمر المنظمة على مستوى الملوك والرؤساء لأنه لم يرد له ذكر في دستور المنظمة، والرأي الثاني أنه لا يمكن اعتبار مؤتمر قمة أوبك جهازاً مستحدثاً وإنما هو مجرد اجتماع لمؤتمر المنظمة على مستوى الملوك والرؤساء للأسباب التالية:-
1 ـ إن المادة (أ) من المادة (11) من دستور منظمة أوبك لم تحدد مستوى التمثيل في مؤتمر المنظمة حيث نصت على ما يلي:-
(يتألف المؤتمر من وفود من البلدان الأعضاء ويجوز أن يضم الوفد مندوباً واحداً أو أكثر وكذلك مستشارين ومراقبين. وحينما يضم الوفد أكثر من مندوب واحد يترتب على البلد المعني تسمية واحد من المندوبين رئيساً للوفد).
2 ـ بناء على النص المذكور أعلاه فإنه وإن كان اجتماع مؤتمر المنظمة ينعقد عادة على مستوى وزراء النفط والطاقة فإنه ليس ثمة ما يمنع انعقاده على مستوى الملوك والرؤساء.
3 ـ يضاف إلى ما تقدم أنه من الناحية الواقعية من الصعب القول إن مؤتمر قمة المنظمة يعد جهازاً جديداً مستحدثاً لأنه لا ينعقد بصورة دورية منتظمة، فاجتماع القمة الأولى انعقد في الجزائر سنة 1975م، وانعقدت القمة الثانية في العاصمة الفنزولية (كراكاس) سنة 2000م والقمة الثالثة انعقدت في الرياض عام 2007م.
4ـ ومن الناحية القانونية فإن استحداث جهاز جديد في المنظمة يعد بمثابة تعديل لدستور المنظمة. وتعديل الدستور له إجراءات نصت عليها المادة (40) من الدستور حيث قررت أنه (يجوز لأي من البلدان الأعضاء اقتراح تعديلات للنظام الأساسي وينظر في مثل هذه التعديلات المقترحة مجلس المحافظين وله، إذا ما قرر ذلك، أن يوصي المؤتمر بقبولها).
وطبقاً للفترة (ج) المادة (11) من الدستور فإن تعديل الدستور يجب أن يحظى بالموافقة الجماعية لجميع الدول الأعضاء كاملي العضوية في المنظمة.
5 ـ في ضوء ما تقدم فإن الرأي الأقرب للصواب هو أن مؤتمر القمة لا يعدو أن يكون اجتماعاً (غير عادي) لمؤتمر المنظمة على مستوى الملوك والرؤساء. ولعل الوقت قد حان لتقوم المنظمة بإجراء مراجعة شاملة لدستورها فتدخل عليه التعديلات التي تتواكب مع تطورات تجارة وصناعة النفط العالمية وتجعل من مؤتمر القمة جهازاً جديداً ينعقد بصفة دورية منتظمة ويكون السلطة الأعلى في المنظمة وتوضع القواعد المنظمة لاجتماعاته والتصويت على قراراته.
ثانياً: أما بشأن الطبيعة القانونية للإعلان الصادر عن مؤتمر قمة أوبك، فنقول باختصار شديد أنه ليس في دستور المنظمة ما يسمى (الإعلانات declarations). فالدستور يتحدث عن (قرارات) يتخذها مؤتمر المنظمة وهي تكون ملزمة لجميع الدول الأعضاء إذا صدرت بالإجماع في الأمور غير الإجرائية. أما ما يسمى بالإعلانات، فهي كما قال الدكتور الصادق شعبان، الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة تونس، في كتابه القيم (قانون المنظمات الدولية) تصدر عادة عن بعض المنظمات الدولية ويقصد بها القرارات التي تحتوي على مبادئ وأحكام متواجدة أصلاً في القانون الدولي وتقوم المنظمة بتجسيمها وصياغتها من جديد والإعلان عنها، وعادة ما يصدر الإعلان دون تصويت، الإعلان لا ينشئ أحكاماً جديدة وإنما يعلن عن وجودها فتكون الدول ملزمة بهذه الأحكام بمقتضى مصادر أخرى من الالتزام الدولي تكون سابقة للإعلان. ووظيفة الإعلان هي التذكير بهذه الالتزامات وتأكيدها والتدقيق في صياغتها. وغالباً ما يضاف إلى مجموعة المبادئ والأحكام السابقة أحكام جديدة تلتزم بها الدول بمقتضى الإعلان.
وفي ضوء ما تقدم يمكن القول إن الإعلان الصادر من قمة أوبك في الرياض لا يعدو أن يكون قراراً اتخذته المنظمة في شكل إعلان تؤكد فيه دول المنظمة على العديد من مبادئ وقواعد القانون الدولي. ومبادئ التعاون الدولي في ثلاثة مجالات رئيسية هي مجال استقرار أسواق الطاقة العالمية ومجال الطاقة من أجل تحقيق التنمية المستدامة ومجال الطاقة والبيئة.
ونستعرض بشيء من الاختصار مضامين هذا الإعلان على النحو التالي:-
في مجال استقرار أسواق الطاقة العالمية:-
أكدت ديباجة الإعلان على مبادئ القانون الدولي الخاصة بالحقوق السيادية الراسخة والدائمة لدول المنظمة على مواردها الطبيعية ثم أشار الإعلان في الديباجة المتعلقة باستقرار أسواق الطاقة العالمية إلى أهمية استمرار إمدادات مستقرة ومتوافرة وتنافسية من موارد الطاقة من أجل ضمان تحقيق الرخاء في جميع أنحاء العالم، وعلى استمرار دور البترول في استهلاك الطاقة العالمي. والتأكيد أيضاً على الدور الريادي لمنظمة أوبك في مقابلة الاحتياجات المتزايدة من موارد الطاقة للعالم بما في ذلك الدول النامية، وكذلك المهمة التي تضطلع بها المنظمة والمتمثلة في ضمان توفير الإمدادات البترولية بصورة فاعلة واقتصادية ومنتظمة للدول المستهلكة، مع تحقيق دخل ثابت ومعقول للدول المنتجة للبترول وعوائد مقبولة على رؤوس الأموال المستثمرة في صناعة البترول. ثم أشارت هذه الديباجة أيضاً إلى توسع تجارة البترول العالمية وأنه يتوقع لها أن تستمر على هذا المنوال مدفوعة بذلك من الزيادة في النمو الاقتصادي والطلب على الطاقة في العالم. وفي الوقت الذي توفر فيه العولمة مثل هذه الفرص، إلا أنها تنطوي في الوقت ذاته على العديد من التحديات مثل التوزيع غير العادل للدخل، واضطراب الأسواق، وحالات عدم التيقن. كما أشارت الديباجة إلى أن الدور المحوري الذي يلعبه البترول في اقتصادات دول المنظمة واقتصادات دول العالم الأخرى يجعل من مسألة استقرار سوق البترول أمراً ضرورياً وحتمياً ليس من أجل الحفاظ على هذا المورد الحيوي فحسب، بل من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دولنا على حد سواء. وإضافة إلى ذلك، فإن الدور المحوري الذي يلعبه قطاع الطاقة، وخاصة قطاع البترول.
في اقتصادات الدول المستهلكة يجعل من مسألة أمن الطاقة أمراً ضرورياً من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة لتلك الدول. وانتهت الديباجة إلى القول بما يلي:-
(إن منظمة أوبك تعد في مركز قوي يؤهلها للاستمرار في توفير نسبة مهمة من الاحتياجات العالمية من البترول، وفي الوقت الذي ندرك التحديات التي تفرضها العولمة والظروف المتغيرة لأسواق الطاقة العالمية، فإننا نعلن ما يلي:-
1ـ التأكيد على التزامنا المبادئ والأهداف الواردة في كل من ميثاق منظمة أوبك، وإعلاني قمتي الجزائر وكاراكاس في عام 1975م وعام 2000م، إلى جانب الاستراتيجية طويلة الأمد للمنظمة.
2ـ الاستمرار في إمداد الأسواق العالمية بكميات كافية واقتصادية وموثوقة من البترول وبصورة فاعلة وفي الأوقات المطلوبة.
3ـ العمل مع جميع الأطراف من أجل تحقيق التوازن في أسواق الطاقة العالمية ومستويات مستقرة وتنافسية لأسعار البترول.
4ـ التأكيد على أهمية السلام العالمي في تحسين فرص الاستثمار في قطاع الطاقة واستقرار واستقراء أسواق الطاقة العالمية.
5ـ القيام بالاستثمارات اللازمة من أجل زيادة طاقة إنتاج الخام وطاقة التكرير في الدول الأعضاء في المنظمة، وحث الدول المستهلكة على إيجاد البيئة التي تساعد على الاستثمار في قطاع البترول في تلك الدول.
6ـ التأكيد على العلاقات المتداخلة بين أمن الإمدادات وأمن الطلب العالمي على الطاقة وإمكانية استقرائه.
7ـ حث جميع الأطراف على إيجاد سبل ووسائل تعزيز فاعلية أسواق البترول العالمية من أجل التقليل من التقلبات قصيرة الأمد في الأسعار التي تضر بالدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء.
8ـ تعزيز الكفاءة والاستدامة في إنتاج واستهلاك الموارد البترولية مؤكدين على الدور الفاعل للتقنية والابتكار في هذا المجال.
9ـ مواصلة عملية التنسيق والتشاور مع الدول الأخرى المصدرة للبترول لما فيه صالح جميع الدول المنتجة له.
10ـ تقوية وتوسيع مجالات الحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة من خلال منتدى الطاقة الدولي والمنتديات الدولية والإقليمية الأخرى، لما فيه مصلحة الجميع، والتنويه بالحوارات الناجحة بين كل من منظمة أوبك من جهة والاتحاد الأوروبي وجمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية ووكالة الطاقة الدولية وغيرها من جهة أخرى.
11ـ التأكيد على أن الإجراءات والتشريعات التي تعمل على المساس بروح التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة ستقوض استقرار السوق وأمن الطاقة.
12ـ تشجيع التعاون وتبادل الخبرات في المجالات التقنية وتطوير الموارد البشرية بين الصناعات البترولية في الدول الأعضاء في منظمة أوبك وكذلك مع الجهات الأخرى من أجل تعزيز الكفاءة والابتكار والحوكمة إضافة إلى تبني أفضل ممارسات الصناعة العالمية في هذا المجال.
13ـ حث حكومات الدول المستهلكة على تبني سياسات تجارية ومالية وبيئية وسياسات طاقة تتسم بالشفافية والوضوح وعدم التمييز، وتؤدي إلى حرية الوصول إلى الأسواق ومصادر التمويل.
14ـ العمل مع الحكومات الأخرى والمنظمات العالمية وكذلك مع قطاعات الأعمال العالمية من أجل تسهيل الاستثمار في التقنية ونقلها إلى الدول الأعضاء في منظمة أوبك وذلك بغرض تنويع اقتصادات دولنا، وتحقيق الرخاء الاجتماعي والتنمية المستدامة.