سعر الصرف .. المشكلة الجوهرية

[email protected]

من بين القضايا التي باتت تشغل بال الكثيرين قضية الربط القائم بين سعر صرف الريال وبين الدولار. إذ حفلت ساحات الرأي العام في الآونة الأخيرة بكم كبير من الطروحات في ذلك الشأن تدفعها عوامل متباينة، منها ارتفاع أسعار السلع، زيادة معدلات التضخم، التدهور في سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى، والأوضاع السياسية في المنطقـة. من تلك الطروحـات ما يرى مصلحة في الحفاظ على الارتباط بين الريال وبين الدولار مع وضع آليات لمراجعة سعر الصرف بشكل دوري، وممارسة مرونة كافية لتعديله إلى الأعلى أو إلى الأسفل حسبما تمليه الحاجة. بينما هناك من لا يرى تلك المصلحة بتاتاً ومن ثم يطالب بفك ذلك الارتباط بشكل نهائي لا رجعة فيه. كما أن من بين تلك الطروحات من ذهب إلى أبعد من ذلك إلى حد المطالبة بإلغاء التقليد المعمول به في الأسواق منذ عشرات السنين بتسعير البترول بالدولار، ويرى عوضاً عنه التعامل بسلة عملات تشمل العملة الأوروبية الموحدة اليورو، الين، وغيرهما إلى جانب الدولار.

تلك الطروحات تصدت لها الجهات الرسمية ومن أكثر من مصدر بتصريحات واضحة ومباشرة في عدة مناسبات بأنه ليس هناك نية لفك الارتباط القائم بين الريال وبين الدولار، أو تغيير سعر صرف الريال. لكن بالرغم من تلك التصريحات تشهد الأسواق المالية مضاربات متزايدة على الريال ربما تحركها الإشارات المتضاربة الصادرة من بعض الدول المجاورة، أو قناعات المضاربين بأن التحصينات والمتاريس التي أقامتها مؤسسة النقد العربي السعودي للدفاع عن الريال لن تصمد طويلاً أمام الأرقام المقلقة للدولار والضغوط التضخمية محلياً وعالمياً.

إن تثبيت سعر الصرف الحالي عند 3.75 ريال للدولار الأمريكي نشأ في عام 1986م، أي قبل أكثر من 20 عاماً، وتمت المحافظة عليه والدفاع عنه منذ ذلك الحين بالرغم من التقلبات الحادة التي شهدتها أسعار البترول خلال تلك السنوات وانعكاساتها على جميع المؤشرات الاقتصادية والنقدية للمملكة، ولا أخال مؤسسة النقد العربي السعودي إلا قادرة على مواصلة تلك السياسة. ذلك أن من مصلحة الدول ذات الاقتصاد النامي أن تسعى لربط عملتها بعملة أخرى رئيسة للإفادة من قاعدة عريضة نسبياً تساعدها على الاستقرار في المدى الطويل، وتمنحها توازناً مقنناً للإبحار الآمن عندما تضطرب أسعار الصرف بين العملات. وقد أكد على ذلك الجانب الإيجابي لاستقرار سعر صرف الريال التقرير السنوي الأخير لمؤسسة النقد العربي السعودي الصادر في عام 1427هـ، الذي جاء فيه "أن ذلك الاستقرار أدى إلى قدرة القطاع الخاص على التخطيط للمشاريع التجارية وإلى تشجيع النشاط الاستثماري بشكل عام".

لكن من جانب آخر ينبغي ألا نغفل المشكلة الجوهرية intrinsic التي لا بد أن يصطدم بها المرء عند ربط سعر صرف عملة بأخرى يختلف الوعاء الاقتصادي لكل منهما بشكل واضح من حيث التركيبة، المرتكزات، المحركات، ومعدل النمو. ويمكن أن نضرب مثلاً لذلك بسيارتين في حلبة سباق تسيران بسرعتين مختلفتين، إذ يمكن أن نحدد في لحظة ما من ذلك السباق العلاقة النسبية بين موقعيهما بشكل دقيق، إلا أن تلك العلاقة ستتغير تلقائياً متى ما تغيرت سرعة إحدى هاتين السيارتين أو كلتيهما زيادة أو نقصاً. ومن ثم يصبح لزاماً متابعة حركة السيارتين وإعادة حساب العلاقة التي بينهما. وكذا الحال بالنسبة للعملات لا بد أن تخضع علاقاتها الثنائية للمراجعة بين الحين والآخر، إذ ليس من طبيعة الأمور أن تبقى تلك العلاقة ثابتة إلى ما لا نهاية. وفي المقابل لا بد من التوكيد أنه ليس من المصلحة تعريض سعر صرف الريال لتقلبات وذبذبات شبه متواصلة على النحو الذي نشاهده في أسعار بعض العملات المعوَّمة، ما قد يؤدي إلى بلبلة مربكة لسوق المال السعودية التي لم تزل بعد في مرحلة التأسيس.

إن الاعتدال في المواقف عادة ما يمنح المرء مرونة في تحديد مساراته للمستقبل، ولعل ذلك في القضية المطروحة أمامنا يتحقق في المحافظة على العلاقة بين الريال وبين الدولار مع مراجعة هادئة لتلك العلاقة لتحديد سعر صرف للريال يعكس بشكل عادل قيمته المقارنة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي