جامعة الملك عبد الله الانتعاش والبحث العلمي ومجتمع المعرفة
يعد الاحتفال بوضع حجر الأساس لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية .. هو المفتاح الحقيقي لدخول المملكة العربية السعودية في مجتمع المعرفة وفي عصر العولمة والتقنيات العالية.
وإذا كنا نخشى أن تمر مرحلة الازدهار الاقتصادي التي نعيشها في هذه الأيام دون أن نحصد فوائدها ونقطف ثمارها وتذهب كما ذهبت مرحلة الانتعاش التي عاشتها المملكة مع بداية الثمانينيات الميلادية، فإن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالإمكانيات التكنولوجية التي ستتوافر لها.. ستجعل مرحلة الانتعاش الاقتصادي مرحلة مستقرة ومستمرة.
بمعنى أن الإنسان السعودي سيقف على قاعدة قوية سواء ظل البترول وقوداً للطاقة العالمية أو حلت محله وسائل جديدة للطاقة، بل ستسهم هذه الجامعة من خلال مركز الأبحاث الذي ستنشئه بالتعاون مع أكبر مراكز الأبحاث في العالم عن مصادر بديلة للبترول وستمتلك بعض هذه المصادر كما امتلكت البترول.
نذكر جميعاً أننا حينما كنا نتحدث عن التقدم والتخلف نعتمد في مقارناتنا على معيار العلم، نقارن بين ما تنفقه الدول العربية على البحث العلمي وما تنفقه إسرائيل على البحث العلمي، وكنا ومازلنا نتنهد ونحن نقارن بين الأرقام التي بين أيدينا حتى نقول إن البون بيننا وبين عدونا اللدود شاسع وكبير، فبينما تنفق إسرائيل نحو 3 في المائة من دخلها القومي على البحث العلمي، فإن الدول العربية كلها تنفق نحو 0.01 في المائة على البحث العلمي، بل لا أذكر أن بحثاً علمياً من مركز عربي للبحوث قد قدم جديداً للحضارة الإنسانية، ومعروف أن الدول التي لا تنفق على البحث العلمي بسخاء .. لن تخطو خطوات راسخة في مضامير التقدم.
إن التكليف الملكي لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية واضح إزاء الاهتمام والتركيز على البحث العلمي والدراسات العصرية الجادة.
ولذلك إذا أردنا لهذه الجامعة أن تتجه نحو الأبحاث والاكتشافات العلمية، وأن توثق علاقاتها مع عدد كبير من مراكز الأبحاث في كبرى الجامعات العالمية، فإننا يجب أن نحررها من التبعية لوزارة التعليم العالي، لأن وزارة التعليم العالي سلمت نفسها لشبكة من البيروقراطية المميتة، ولذلك إذا دخلت الجامعة الجديدة في فرن وزارة التعليم العالي فإن الطبخة ستصبح ملطخة بتوابل الروتين القاتل.
إذاً نتمنى أن يدير جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية مجلس علمي يترأسه خادم الحرمين الشريفين بنفسه، ونتمنى من خادم الحرمين الشريفين أن يرأس اجتماعات هذا المجلس ويصدر القرارات الفورية لهذه الجامعة التي غمرتنا بفرحة عامرة ونحن نتابع تأسيسها ونتعلق بآمال أن يتحقق الحلم على يديها وتصبح هذه الجامعة منارة التنوير الحقيقي في هذا البلد الذي بات يخطو خطوات غير تقليدية نحو التقدم.
تقول الدول التي لديها مراكز أبحاث عالمية ومنها إسرائيل (ونتمنى أن يكون مركز الأبحاث في جامعة الملك عبد الله في المستقبل القريب أحد هذه المراكز) بأن صور الأقمار الصناعية أوضحت بالاستشعار عن بعد بأن هناك زيادة مضطردة في معدل ذوبان طبقة الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية، بل وأشار البعض إلى أن الاحتباس الحراري سيؤدي إلى اختفاء الجليد البحري الصيفي خلال هذا القرن. ولكن رغم الأضرار الهائلة التي سيتمخض عنها هذا التغيير على المناخ فوق كوكب الأرض .. إلا أنه سيسهل مستقبلاً الوصول إلى الكنوز الطبيعية المدفونة تحت قيعان البحار والمحيطات منذ ملايين السنين، التي تشمل البترول والغاز الطبيعي وكميات هائلة من الألماس والذهب وتصل التقديرات الأولية للثروات في قيعان البحار لنحو عشرة مليارات طن من الثروات.
إن الدول التي لديها مراكز أبحاث علمية وعالمية .. بدأت بالفعل مرحلة البحث عن الثروات والكنوز في أعماق البحار والمحيطات ونذكر على سبيل المثال أن روسيا التي لديها أراض متصلة بالدائرة القطبية الشمالية وتطل عليها قامت برحلة علمية بحثية استكشافية للقطب الشمالي المتجمد وأرسلت سفينة أبحاث وعلى متنها أكثر من مئة باحث وجيولوجي وقاد هذه المهمة العلمية عالم ومستكشف قطبي ونائب في البرلمان هو "تشيلنجاروف". ولقد رافقت هذه البعثة كاسحات عملاقة للجليد لتمهيد الطريق لإنزال غواصتين صغيرتين لأعماق سحيقة تصل إلى أربعة آلاف قدم تحت سطح البحر.
ومن أجل اكتشاف مصادر جديدة للطاقة، يهرول العلماء من كل الدول المتقدمة إلى قاع البحار والمحيطات، بل أكثر من هذا فإن العلماء يعكفون على دراسة تطوير وتحديث طرق عديدة للوصول إلى الطاقة من رياح الارتفاعات العالية وذلك باستخدام طائرات خاصة لها شفرات تدور في شكل متعاكس، كما أن البحث العلمي في مجال الطاقة الشمسية الفضائية حقق تقدماً لافتاً باستخدام منظومة كهروشمسية مدارية فضائية، أما في مجال التكنولوجيا الحيوية فالبحوث تسعى للوصول إلى المزيد من الطاقة باستخدام ميكروبات وطحالب جديدة ومحورة وراثياً لإنتاج الهيدروجين أو فصل ثاني أكسيد الكربون أو تحويل المحاصيل لوقود بيولوجي.
وواضح من خلال هذه الجهود التي يبذلها العلماء في كل أنحاء العالم المتقدم أن قلقاً كبيراً يساور المجتمع الدولي على البترول كمورد فريد ووحيد للطاقة، فالعالم كله يركض للبحث عن طاقة بديلة توقف أسعار البترول التي تقفز إلى مستويات مذهلة بسبب الشعور بقرب نضوبه.
إن هذه المشاريع البحثية عن طاقة بديلة بالنسبة للدول التي ليس لديها إسهامات في مجال البحث العلمي.. تبدو كالأحاجي والسبب أنه ليس لدينا حتى الآن مراكز أبحاث عالمية تضعنا جنباً إلى جنب مع الدول التي تسهم في تسيير مقدرات الكون ولها بصمات في بناء صروح الحضارة الإنسانية.
وإذا كان البترول هو المصدر الأهم لثروة الأمم حتى الآن، فقد تكون ـ في المستقبل ـ الموارد التي تزخر بها قيعان البحار والمحيطات هي المصدر الأهم للطاقة والثروة والقوة.
وحتى تستمر المملكة دولة ثرية وقوية، فإنه يجب أن نصل إلى أسرار الكون عبر البحث العلمي، ويجب أن نكتشف ألغازه ونسهم في تطويره.
إن الأمل كبير في أن يحقق مركز الأبحاث في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ما كنا نحلم به منذ أكثر من قرن و نأمل أن تتيح هذه الجامعة للعلماء السعوديين فرصة الظفر بجائزة من جوائز نوبل التي مازالت بعيدة عن علماء الوطن.