مـــلك ...... وممـلكة عربية

[email protected]

خلال نحو أسبوعين تقريباً، انشغل الساسة ورجال الاقتصاد، وأجهزة الإعلام، والمراقبون، والخبراء، وإن أحببتم ضعوا جميع التصنيفات من الأصدقاء، والأعداء، بملك اسمه عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ومملكة أسمها المملكة العربية السعودية.
نعم، نحن أمام (الملك الإنسان) الذي غير موازين الأخلاق السياسية في المرحلة الحالية علي الأقل، واستطاع أن يضع جميع من سبق ذكرهم، في حالة سباق مع الزمن في تحليلات وافتراضات ومناقشات علانية وسرية، فالكل يريد استقراء ومعرفة ماذا يريد هذا الملك وماذا تريد مملكته على الصعيدين الإقليمي والدولي!
المثير أنه يكاد ينتهي هذان الأسبوعان من الأحداث السياسية، حتى استضافت عاصمة هذه المملكة حدثاً عظيماً، في بداية هذا الأسبوع، قمة الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وهي قمة عصب الطاقة الدولية، ليؤكد لهم هذا البلد ومملكته، أنهما لاعبان قويان في الساحة الدولية وصاحبا مبادرات تحسب لهما! أحد المعلقين السياسيين، قال إن عنوان الفترة الأخيرة من هذا العام، هو بلد خليجي عربي - إسلامي اسمه (السعودية).
وأعتقد هذا التعليق ومثله الكثير مما قرأنا، دعا الكاتب عبد الرحمن الراشد في مقال له يوم السبت الماضي في صحيفة "الشرق الأوسط"، أن يستشهد بمقال للكاتب تسفي برئيل في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يعبر فيه عن قلق تل أبيب من دولة اسمها (السعودية) إذ يؤكد الكاتب أن الإسرائيليين يرون أن الرياض تتحكم في قرارات مجلس الأمن على الرغم من أنها ليست عضواً، كما أنها تتحكم في قرارات البيت الأبيض، حسب قوله.
وبعودة إلى جولة خادم الحرمين الشريفين، لأهم المحطات الأوروبية، لندن، روما، برلين، وجنيف وأخيراً أنقرة ومصر، يمكنني القول، إن شخصية الملك عبد الله كقائد عربي مسلم، تكرست إلى حد كبير والتقطها
الكثيرون ممن هم خلف الستار، حتى أن أولئك الذين لا يروق لهم (الدور السعودي)، كانوا يمتدحون الملك العربي المسلم، ويصفونه لأدق التفاصيل، مثل: قوته، وصرامة موقفه، وحسمه، وشهامته... إلخ؟
وتظل مراقبة وسائل الإعلام، إلي تلك الابتسامة (العريضة المطمئنة) للملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وهو مع البابا، التي احتلت الصفحات الأولى في معظم الصحف العالمية، والتي كانت لها صدى قوي تجاه ملايين المسيحيين، هذا عدا رموزها، فهذا الملك الذي اتهمت بلاده وما زالت، أنها المحرك الأول لكراهية المسلمين للغرب، وأنها الدولة الأكثر تشدداً في عالم اليوم، والدولة المتهمة بأنها حاضنة الفكر التكفيري في عالم اليوم.
وسواء قبلنا بهذه الصورة للسعودية أو رفضناها، أحببناها أو كرهناها، فإن مثل هذه الصورة هي جزء من تصور أقوام كثيرين حين يرد اسم السعودية، أو تُذكر في هذه المناسبة أو تلك.
لقد جلس الملك عبد الله، في مكتب (الحبر الأعظم) للكاثوليكية، كأول زيارة لملك سعودي للبابا، من أجل أن يقول إن صفحة من التاريخ قد طويت، وأن صفحة جديدة على وشك البدء، أو هذا ما يجب أن يكون عليه الأمر.
ونقف هنا نقطة نظام ونقول، حين جلس الملك هناك، لم يكن يفعل ذلك على أنه عاهل السعودية، أو حتى ملك عربي فقط، فليس للأمر تلك الأهمية القصوى لو نُظر إلى المسألة من هذا الجانب فقط، ولكنه ذهب بصفته رمزاً للعالم الإسلامي، وبصفته راعياً لأعظم مقدسات الإسلام والمسلمين، وبصفته خادم الحرمين الشريفين، وهذا هو الأهم!
حين يذهب الملك عبد الله من بلاده راعياً لمقدسات الإسلام، وزعيم (الدولة السنية)، إلى الحبر الأعظم لأحد أكبر ديانة في العالم، ويسلم أحدهما على الآخر، ويعلنان من عاصمة الكاثوليكية في العالم، أنه آن الأوان لأن يحل السلام وتسود المحبة بين البشر، فإن ذلك هو (التاريخ) الذي يُصنع أمام أعيننا حقيقة الأمر.
لقد عانينا جميعاً، وعلى مر التاريخ، ومنذ منتصف القرن العاشر الميلادي وحتى العصور الحديثة، من توتر كان هو العلامة الفارقة للعلاقة بين الديانتين والحضارتين اللتين بنيتا على أساسهما، حيث لا يأتي الحديث عن الإسلام والمسيحية، إلا ونتذكر حروب المسلمين في أوروبا، وحروب الصليبيين في الشرق، وكذلك الاستعمار وعبء الرجل الأبيض، وتنظيم القاعدة أخيراً.
وأنا لم أقفز من دون قصد، على برنامج الزيارة الزمني، فخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، الذي شد رحاله أولاً إلى عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وهي زيارة مثيرة في كثير من عناوينها، خصوصاً بعد فترة من (الفتور)، لمسها البريطانيون أنفسهم، ولا داعي لخوض أسبابها، فجزء منها كان ردود فعل لا أفعال، وهو عكس منطق السياسة الدولية.
الإنجليز, إن صح التعبير، حاولوا خلف الأبواب الموصدة أن يكونوا بعيدين عن (الشخصنة)، لكن صحافتهم وهي نكهة الحياة البريطانية، وكما هي عادتها، شن بعضها نقدا على السعودية خلال استقبال الحكومة البريطانية للملك عبد الله.
والإعلام البريطاني معروف بطقوسه في استضافة الزعماء، وقد سبق للرئيس الروسي أن قوبل في زيارته بهجوم عاصف ركز تحديدا على قضية تسميم العميل الروسي الهارب. وقبله الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي خرج متظاهرا ضده آلاف المحتجين على حرب العراق، وذاق الطعم نفسه الزعيم الصيني جيانج زيمين في زيارته.
ولكن الملك السعودي العربي المسلم، بعثر أوراق البريطانيين حتى طال صحافتهم أيضا، فهم إن انتقدوا السعوديين بتمويل ودعم التطرف، أكد لهم أنهم تجاهلوا تحذيرات أرسلتها لهم بلاده كان من الممكن أن تجنبهم هجمات يوليو (تموز) 2005.
وبدءاً من لندن وكما العواصم الأخرى، كان الاقتصاد جزءاً مهماً من الزيارة مثل السياسة، إذ اهتم فريق الملك عبد الله على تعزيز العلاقات التجارية الثنائية، خصوصاً مع الطفرة الهائلة التي تشهدها السعودية، فهناك ست مدن اقتصادية ومشاريع بنية تحتية، تحتاج إلى مئات الشركات الأوروبية للتعاون المشترك. ولن أضيف اقتصادياً بأجمل من مقال زميلي الدكتور فهد السلطان في "الاقتصادية" يوم الأربعاء الماضي ولخص أهداف الفريق الاقتصادي والفوائد التي انعكست على السعودية.
ختاماً في رحلته للمحطات الأوروبية، لم يتفاجأ صناع القرار، بأي تغيير في الموقف السعودي، تجاه منطقة الشرق الأوسط، بدءاً من التأكيد على مبادرة الملك عبد الله لإيجاد حل عادل وشامل في الصراع العربي الإسرائيلي، وإضافة إلى الموقف السعودي من ضرورة احتواء الموقف الإيراني بدلاً من تصعيده، لذلك نقول ملك سعودي ومملكة عربية مسلمة، يعلنان صراحة أن أي تحرك دبلوماسي لهما، سوف يخدمان أمتهما الإسلامية أولاً وأخيراً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي