الورد والشوك وإصبعي ..

[email protected]

مقال اليوم ليس تنظيراً ولا كلاماً (خنفشارياً) بل رأي وفكر قد ينزع إلى الصواب . الحكاية أني كنت أتجاذب أطراف الحديث مع مجموعة من الصديقات المثقفات، لأكتشف أن "جهل الجاهلينا" هو النعيم الذي أحتاج إليه، ولكن لم يعد بيدي هذا الترف. كان حديثنا عن أحوال بيوت الزوجية والفرق بين المندوب والواجب وكيف تبدلت الأدوار وأصبح بعض الأزواج يعتمد اقتصادياً على ما تصرفه الزوجة - خصوصاً لو كانت تعمل- من مالها الخاص على نفسها أو أولادها وبيتها طواعية (و عليه أيضاً ) ، بل ويعتبره حقاً مكفولاً لا تكافأ عليه (المسكينة) بكلمة شكر ! لأنه يعتبره من الحقوق! ويهددها بالويل والثبور وعظائم الأمور لو امتنعت.
هناك الكثير من نساء بلادي يتحملن نفقات البيوت والمصروف الشخصي لآبائهم أو أزواجهم . ولاأدري ما الذي حل بالرجال! وما الذي حدث لمفهوم القوامة الذي يردده الكثيرون دون فهم. فقد ورد تعريف القوامة ومجالاتها بشكل عام في سورة النساء الآية رقم 34 التي يحفظها الرجال عن ظهر قلب. ويقصد بالقوامة من "قام على الأمر أي أحسنه ، فالرجال هنا قوامون على النساء بالفضل والإنفاق، وهي مرتبطة بالقدرات على اختلاف أنواعها . القدرات التي تكتمل عند سن الرشد ويصبح الذكر رجلاً و الأنثى امرأة. "بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض" فالمعنى يشمل كل الرجال والنساء ليصبح: بما فضل الله بعض الرجال والنساء على بعض آخر من الرجال والنساء....وهذا واضح في قوله تعالى فى الآية 17 من سورة الإسراء :" انْظر كَيفَ فضّلنا بَعْضَهُم على بَعْض وَلَلآخِرةُ أَكْْبَرُ دَرَجَاتٍ وأكْبرُ تَفْضِيلاً ". وهذا ينفي تماماً الأفضلية بالخلق ، وتبقى الأفضلية بحسن الإدارة والحكمة ودرجة الثقافة والوعي التي تتفاوت بين الناس - ذكورًا و إناثاً- فمن الرجال من هو أفضل فيها من النساء والعكس صحيح. ولكن المشكلة أن (البعض) يذهب إلى أنها قوامة مطلقة ، أي أن جنس الرجال قوّام على جنس النساء بالسليقة والفطرة!

أما بالنسبة للشق الثاني من القوامة الاقتصادية وهو الشق المالي "وبما أنفقوا من أموالهم"، فكلنا يدرك أن الرجال درجات في الغنى والثقافة وحسن الخلق والقدرة على القيادة، والنساء أيضاً درجات في ذلك كله. ولاريب في أن مصلحة الأسرة والمجتمع تكمن في أن تكون القيادة في يد صاحب الفضل رجلاً كان أم امرأة حتى لو كان ضمنياً فالكثير من البيوت تدير شؤونها النساء دون أن يفقد الرجل قوامته . وهذا بالضبط هو ما ذهبت إليه الآية الكريمة حين بدأت بقوامة الرجال على النساء ثم انتقلت إلى الإشارة إلى اشتراك الرجال والنساء (بما فضل الله بعضهم على بعض)، ثم إنتهت لتستعرض صفات الأفضلية لدى النساء "فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله" .. إذ انـه لا شيء سوى القوامة هو المدار الذي تدور حوله الآية التي تعدد صفات المرأة الصالحة و ذلك بما فضلها الله من ثروة أو ثقافة أو قدرة فكرية قيادية (وهذه الصفات هي القنوت وحفظ الغيب).. فإذا اتصفت بها كانت صالحة للقوامة .
والحاصل لدينا أن البعل المنفق صاحب القوامة - وهو يختلف عن الزوج - ينشز تماماً كما تنشز المرأة، أي أنه يصبح متكبراً متعالياً، وديكتاتوراً لاتستطيع معه امرأته أن تقوم بأي عمل إلا بموافقة صريحة مسبقة منه. والشكل الآخر للنشوز هو أن يُعْرِض فيُهمل شؤون بيته وأولاده، ويدير ظهره لكل شيء، شاغلاً نفسه برفاقه أو بسهراته أو ملذاته (وتعرفون ما أقصد). فكيف تكون القوامة لهذا النوع من الرجال ؟ وكيف يعزز مجتمعنا إلى الآن مفاهيم مغلوطة تسهم في تردي أوضاع النساء !! فلا يعقل أن تكون القوامة لرجل عاطل أو مدمن أو عديم الدين والأخلاق على امرأة تخشى الله أو امرأة كادحة تعمل بجد واجتهاد من أجل إعالة أسرتها !
وأعود إلى الورد والشوك والأصابع وعلاقة ذلك بالفضل الذي فضله الله لبعض الرجال على بعض النساء والعكس فأقول: النساء ورود ورياحين أحاطهن الله بأسلاك مخملية، ولله الحكمة في خلقه. فإذا حدث وكانت المرأة صالحة فليس المرجو أن يكون الرجل هو الشوك ! ولن ينبت الورد والشوك مالم يغدُ الاثنان واحداً . (وتعرفون الذي أعني واسمعي ياجارة). فالحمد والشكر لله أن وهب البعض خير متاع الدنيا، وليحذر الباقون من وخز الأصابع. دامت الورود لأشواكها سالمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي