قمة "أوبك".. أمور أذهلتني! (1 من 2)

[email protected]

ما أذهلني في قمة "أوبك" ثلاثة أمور لا ترتبط مباشرة بالقمة، الأول ضحالة مستوى الإعلام العربي بشكل عام، الثاني ما كتبه بعض الكتاب عن الثقافة النفطية من دون معرفة بما يجري على أرض الواقع، والثالث هو الحديث المستمر عن "قوة دول أوبك"، مع أن الواقع عكس ذلك.

ضحالة مستوى الإعلام العربي في مجال الطاقة
لا شك أن هناك حالات فردية مميزة تألق فيها بعض الإعلاميين، إلا أن تغطية الإعلام العربي للقمة، بشكل عام، كانت ضحلة، بل خاطئة في بعض الأحيان. لقد كان تعامل بعض وسائل الإعلام مع القمة سيئاً رغم أن عدداً لا بأس به من الصحافيين انضم إلى دورة الإعلاميين التي نظمتها وزارة البترول والثروة المعدنية قبل القمة. هذا الأمر أوصلني إلى نتيجة مهمة وهي أن التدريب وتوصيل المعلومات النفطية لا دور له إذا لم يؤثر في عقلية المتدربين وسلوكهم، ولا دور له إذا لم يكن المتدربون على استعداد بأن يقوموا بدورهم الصحيح كإعلاميين. بعبارة أخرى، يجب توافر الثقافة الإعلامية الحقيقية لدى المتدربين قبل "تثقيفهم" نفطياً، وبالتالي فإن المسؤول في النهاية عن نشر الثقافة النفطية هم رؤساء التحرير ومديرو المحطات، وليست وزارات النفط أو الشركات النفطية.
هناك أمثلة كثيرة تؤكد ما سبق. ففي الأيام الثلاثة السابقة للقمة حصلت معي مواقف عديدة منها أنه في مقابلة تلفزيونية طلب مني الإعلامي تلخيص محتوى الندوات في ذلك اليوم. واندهش عندما قلت له إن هذا اختصاصه وليس اختصاصي، ولكني ذهلت عندما أكد أنه علي الإجابة عن سؤاله كوني حضرت الندوات وهو لم يحضر! إعلامي في قناة معروفة قام بخلق أسئلة على الهواء مباشرة لا معنى لها على الإطلاق. دعيت إلى لقاء تلفزيوني، وعندما سألت عن المذيع والحاضرين كان الجواب كالتالي: المذيع قد يكون الأستاذ فلان، وسيكون معك هناك ثلاثة أشخاص آخرين من واشنطن والقاهرة والكويت. سألت عن الأسماء فقالوا لي إنهم لا يعرفونها حتى الآن! عرفت في النهاية أنه لم يحضر أحد! في لقاء لصحيفة معروفة أعطاني الصحافي سؤالا مكتوبا من خمسة أسطر لم أفهم منه شيئا، وعندما فهمت السؤال تبين أن جوابه قصير جدا يتمثل في نعم أو لا. والمذهل حقاً أنني كنت أحضر مؤتمرا صحافيا لمسؤول كبير فإذا بأحد الصحافيين يربت على كتفي قائلاً "تكفى يا دكتور.. ممكن تعطيني سؤال أسأله"! إذا المشكلة ليست في "الثقافة النفطية" وإنما في "الثقافة الإعلامية" نفسها.
في مقابلة على الهواء أكد أحد الإعلاميين "الخبراء" أن هناك تغيرات في أسواق النفط العالمية لأن روسيا أصبحت من كبار الدول المنتجة! فوجئ هذا الإعلامي عندما قلت له إن روسيا كانت من كبار الدول المنتجة خلال 100 عام الماضية، بل إن الاتحاد السوفياتي كان أكبر دولة منتجة للنفط في العالم لسنوات طويلة. في لقاء آخر على إحدى الفضائيات تكلم المذيع عن "قمة أوبك الوزارية في الرياض" مع أنها قمة للملوك والرؤساء. وفي لقاء آخر كان هناك سؤال عن قمة "أوبك" المقبلة في أبو ظبي في الشهر المقبل مع أنه اجتماع روتيني لوزراء "أوبك". إعلامي آخر استغرب من عدم حضور بوتين، الرئيس الروسي قمة "أوبك" في الرياض, لأنه كان يعتقد أن روسيا عضوة في "أوبك"! وذهلت أيضا عندما اكتشفت أن مراسل صحيفة معروفة أرسلته صحيفته لتغطية القمة لم يعرف أن للقمة أهدافا، وعندما قلت له إن لها أهدافا ثلاثة, سالني متلهفاً: ما هي، هل يمكن أن تعطيني إياها؟ أجبته: إنها معلقة على الجدران أمامك، كما أنها معلقة على عدد من الجسور في شوارع الرياض! يوم السبت الماضي أعلن بعض الإذاعات أن كولومبيا عضو في "أوبك".
لو قام هؤلاء الإعلاميون بقضاء بعض الوقت بمراجعة بعض المواد المتعلقة بالأسئلة، لما وقعوا في هذا الحرج. إذا المشكلة في "الثقافة الإعلامية" وليس في "الثقافة النفطية". بعبارة أخرى، لا يمكن نشر "الثقافة النفطية" إلا إذا كانت هناك "ثقافة إعلامية" صحيحة. كل ما علينا هو أن نقارن ما سبق بأسئلة المراسلين الأجانب الذين حضروا القمة لنرى الفرق. والمذهل حقا كما ذكر بعض الزملاء أن بعض الصحف والمحطات التلفزيونية الأجنبية تنفق مبالغ ضخمة لإرسال مراسليها إلى مناسبات كهذه، بينما لا ترغب وسائل الإعلام المحلية في إرسال مراسليها إلا إذا كان الحدث محلياً. وفي هذا السياق ذكر أن عدد المراسلين العرب الذين يحضرون اجتماعات "أوبك" محدود للغاية لأن وسائل الإعلام العربية لا ترى جدوى في إنفاق آلاف الدولارات لتغطية اجتماع "أوبك" في فيينا أو غيرها. ولكن بعد تجربتي مع وسائل الإعلام في القمة الأخيرة اقتنعت بأن موضوع "الجدوى" لا يرتبط بالرغبة في الإنفاق أو لا، وإنما ربما باقتناع رؤساء التحرير ومديري القنوات التلفزيونية بأنه لا جدوى من إرسال أحد بسبب عدم توافر الأشخاص المؤهلين فعلا لتغطية حدث كهذا. فما الفائدة مثلا من إنفاق 40 ألف ريال إذا كان الإعلامي سينقل ما نقلته وكالات الأنباء، ولن يأت بشيء تتفرد به الهيئة التي أرسلته؟ لماذا ستنفق هذه الأموال إذا كان الإعلامي لا يعرف الفرق بين "الإيثانول" الذي يستخرج من الذرة و"الميثانول" الذي يستخرج من الغاز؟ وإذا كان لا يعرف الفرق بين "المخزون" و"الاحتياطيات" وبين منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" ومنظمة الدول العربية المصدرة للنفط "أوابك"؟ (وهذه من ضمن الأخطاء التي سمعتها من بعض الإعلاميين في أروقة الفندق الذي عقدت فيه الندوة الوزارية). عدم المعرفة لا يعود إلى عدم توافر "الثقافة النفطية" وإنما إلى عدم رغبة هؤلاء الإعلاميين في القيام بما يجب أن يقوموا به.

الثقافة النفطية
الأمر الثاني هو قيام بعض الكتاب المعروفين بحضورهم المتميز في الصحافة المحلية بالحديث عن "الثقافة النفطية" بمناسبة عقد قمة "أوبك" في الرياض. لو قام هؤلاء الكتاب بعملية بحث في "جوجل" أو سألوا مديري التحرير في الصحف التي ظهرت فيها هذا المقالات لما كتبوا ما كتبوه. فقد أظهر بعضهم أنه يعيش في "برج عاجي" لا يعرف ماذا يحدث في أرض الواقع من أنشطة تتعلق بهذا الموضوع ولعرفوا أن موضوع "الثقافة النفطية" بدأ فعليا منذ سنين عديدة. والأدهى من ذلك أن أحد الكتاب الكبار تكلم في هذا الموضوع دون أن يكون لديه أي علم بما قامت به وزارة البترول والثروة المعدنية وشركة أرامكو السعودية من جهود جبارة في دورة الإعلاميين التي حضرها أكثر من 40 شخصا على مدى ثمانية أيام في نهاية الشهر الماضي. ما أذهلني أن بعضهم نسب إلى نفسه طرح موضوع "الثقافة النفطية"، ويا ليته بحث في الموضوع قبل أن يقول ذلك إذاً لاكتشف أن الأمر كان مطروحا على نطاق واسع منذ سنوات خلت، ليس في السعودية فقط، وإنما في دول ومدن أخرى مثل الكويت ودبي. يبدو أن الانتقاد السابق لبعض الإعلاميين ينطبق على بعض الكتاب أيضاً. إضافة إلى ذلك، متى سيتوقف الكتاب والإعلاميون والخبراء العرب عن استخدام تعابير معادية مثل "صدمة نفطية" و"أوبك كارتل"؟ هذه الترجمة الحرفية عن الكتابات الغربية لا تتواءم مع أفكارنا وواقعنا لأن ما يذكر كـ "صدمة" في الغرب كان نعمة للدول النفطية، وكلمة كارتل هي وصف غربي لـ "أوبك" التي تحاول المحافظة على حقوق أعضائها. المفروض استخدام كلمة "أزمة" بدل "صدمة" وتجاهل كلمة "كارتل".
الأمر الثالث هو الحديث المستمر عن "قوة أوبك" سواء من الإعلام المحلي أو العالمي أو من بعض المحللين والخبراء، ومدى سيطرتها على أسواق النفط والمال العالمية، وهو أمر سيناقش في الحلقة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي