من ملامح التربية اليهودية (2 من 2)
في ماعدا الثوابت الدينية والقومية فإن المدرسة اليهودية لا تلقن الطلاب بل إنها تشجع على التفكير الناقد الذي يؤدي بالفرد إلى التساؤل والنقد والمناقشة للأمور التي تعرض عليه وذلك بهدف إيجاد عقول مفكرة وليست متلقنة متلقية تقبل الأمور كما هي وتؤمن بها حتى ولو كانت ضد المنطق والفكر السليم. إن هدف المدرسة اليهودية هو بناء الشخصية المتكاملة, ولذا فإن مقولة ديفيد بنغوريون بشأن الدور الذي يمثله الجيش ويلعبه في الدولة اليهودية يعبر عن الدور الحضاري للجيش في بناء الدولة, يقول بنغوريون: لم تكن حماية الدولة هي المهمة الوحيدة للجيش, بل كان عليه أن يكون مركز تعليم وريادة للشباب الإسرائيلي, وأن يخلق من القبائل المبعثرة جيلاً واحداً يحقق المهام التاريخية لدولة إسرائيل من خلال تحقيق الذات. إن المدرسة التي يتعلم فيها المهاجر كيف يكون مواطناً, والمسألة هنا لا تتعلم بعملية التلقين العقائدي فحسب بل تتعداها إلى محو الأمية وتعليم المهن وإعداد الكوادر الإدارية لمختلف المؤسسات. كم نحن في الأمة العربية والإسلامية في حاجة إلى معرفة كيف هي التربية لدى العدو؟ وكم نحن في حاجة إلى أن نستفيد من الآخرين ونأخذ الحكمة منهم ولو كانوا أعداء وبحكم الأهمية العسكرية لكل شعب دولة العدو استحدث ما عرف بمبدأ إسحق ليفي والذي يعزز العلاقة بين الجيش والطلبة بهدف تقوية الرغبة في الالتحاق بالجيش وإيجاد الجاهزية للخدمة في الجيش. ومن الملامح التربوية في المدرسة اليهودية اعتماد مبادئ يتم الأخذ بها من قبل المعلمين, والمدرسة بشكل عام, حيث إن مبدأ التكرار لمفاهيم الأرض, والوطن, والأمة, والتميز, والنقاء العرقي أصبح مبدأ معمولاً به وذلك تحقيقاً لشعار اكذب ثم اكذب ثم اكذب يصدقك الناس. وبهدف تحقيق الأهداف التربوية المناطة بالمدرسة يأخذ النظام التربوي في الكيان الصهيوني بمبدأ التكامل, وذلك بعدم الفصل بين المواد المدرسية, فمفهوم الأرض يمكن أن يعرض في مواد الجغرافيا, والدين, والتاريخ, والجيولوجيا, كما يمكن تناوله في مادة الأدب من خلال قصيدة أو قصة وذلك بهدف خلق نسيج معرفي متكامل يحدث شعوراً أو حساً قوياً إزاء هذه المفاهيم. وهذا من شأنه أن يقوي المعلومة لدى الطالب ويؤكد صحتها.
ونظراً لأن مؤتمر السلام الذي دعا إليه الرئيس بوش في الخريف وفي مدينة أنابوليس على الأبواب, لذا فلابد من معرفة الأسس الفكرية السائدة في الكيان إزاء السلام ونظرتهم نحو الآخرين خاصة العرب, فالمناهج الدراسية تصور العربي بالقذر, النذل, اللا أخلاقي, العنيف, كما تصوره بالمخادع, المحب للعنف وسفك الدماء, وزير النساء, المحب للبذخ.
حركة جوش أيمونيم، إحدى الحركات التي تصول وتجول وتؤثر في سياسات العدو الداخلية والخارجية وتشرف على كثير من المدارس، ترى أن إسهام اليهود في السلام تكون في القتال من أجل تحقيق مشيئة الله وتحقيق الكمال, وما من شك أن مثل هذا الطرح يسهم في تشكيل عقول الناشئة ومن ثم التأثير في سير الأمور داخلياً وفي العلاقة مع الآخرين. وقد يجد القارئ في المقارنة بين هذه المقولة وبين مقولة بوش من أنه تلقى تعليمات من الله لشن الحروب اتساقاً بين أطراف تتسم بالتطرف في الكيان الصهيوني وبين الولايات المتحدة, وغني عن التذكير بمقولة الحرب والقوة تحقق السلام والتي يكررها الساسة الأمريكيون في معرض دفاعهم عن سياسة الحرب التي ينتهجونها في العالم.
إن منهج التفكير القائم على القوة والتسلح وبناء القدرة الذاتية والقوة الفتاكة هو السائد في الكيان الصهيوني, ولذا لا غرابة أن نرى التفوق العسكري والتقني على الدول العربية رغم قصر عمر دولة العدو مقارنة بالدول العربية التي يسود فيها منهج تفكير يقوم على الاعتماد على الآخر. حايين دور كمان، مفكر يهودي يقول: دبابات شاحال الإسرائيلية رمز من رموز العبادة, لقد توقفت عند هذه العبارة وتأملت فيها وتساءلت أين نحن من قوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"؟ ماذا فعلنا من جهد بهدف الاكتفاء الذاتي والاعتماد على القوة الذاتية وإيجاد أسلحة وطائرات تحمل أسماءنا ونواجه بها العدو مهما كان؟
إن التأمل في معطيات التربية اليهودية الرسمية أو غير الرسمية يكشف حقيقة طالما تناسيناها وحاولنا تجاهلها وهي أن هذا الكيان تأسس وفق منطلقات دينية ويبرر وجوده بمبررات دينية ويدير حياته وفق المفاهيم, والأسس الدينية, فالمباحثات التي تجري بين الأطراف العربية, والعدو الإسرائيلي يشترط فيها الإسرائيليون ألا تتم في يوم السبت, كما يشترطون ترتيبات في الأكل والحركة لتكون كلها منسجمة مع المبادئ اليهودية. إن شعور التطرف الذي يتغذى به اليهود ليس خفياً أو متستراً عليه فهذا إسحاق جيسنبرج يقول إن قتل اليهودي لغير اليهود لا يعد جريمة تبعاً للديانة اليهودية, وإن قتل العرب الأبرياء بغرض الانتقام يعد فضيلة يهودية. وهذا ما يفسر لنا النزعة العدوانية لدى اليهود مدنيين وعسكريين, إذ لا يمر يوم إلا وتنفذ فيه جريمة قتل للفلسطينيين من شباب, وشيوخ, ونساء, وأطفال, واحتياجات, وهدم للمنازل, وقطع الأشجار. أما الحاخام أبدواليا، فإنه يرى أن الحرب التي تشن لقتل العرب خشية أن يهاجموا اليهود خيار مشروع. إن تربية العنف لدى الفرد تعد إحدى سمات التربية اليهودية التي تؤصلها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية, وعبر مختلف المراحل التعليمية والتربوية بدءاً من الروضة, وحتى أعلى المراحل الدراسية بهدف إيجاد شعب صلب يؤمن بأن له حق ــ في زعمهم ــ وعليه الدفاع عنه, والاستماتة بكل الوسائل والطرق.
إن إسقاط الحق العربي في فلسطين يتم من خلال اعتبار الوجود العربي وجوداً طارئاً ووجوداً أجنبياً كغيره من الشعوب التي مرت على فلسطين. إن غرس قيم فكريه لدى اليهود يتمثل في إبراز النماذج اليهودية ذات الإسهامات البارزة في المجتمعات التي نشأت فيها, ودورهم في إحداث إصلاحات سياسية, واجتماعية, كما توظف التربية اليهودية الفن, والتربية الفنية في الكشف عن معاناة اليهود عبر تاريخهم الطويل. إن التركيز على أن إسرائيل جزء من الشرق الأوسط وتتأثر بما يدور حولها من أحداث سياسية, واجتماعية, واقتصادية يعد أمراً مهماً ولازماً ولابد منه بهدف تثبيت محوريه الدور الإسرائيلي في المنطقة وأنها الدولة الوحيدة ذات الخصائص الديموقراطية.
إن الشرط الذي أورده أولمرت كأساس للتفاوض في مؤتمر أنابوليس في أمريكا والقاضي بضرورة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية يؤكد أن التفكير الذي هو نتاج العملية التعليمية إنما يستند بصورة أساسية إلى المفهوم الديني لدولة العدو مما جعل هذا المفهوم متجذرا في شعور ولا شعور مواطني وقادة الكيان الصهيوني.