"الإسكان أولا"
بتاريخ 9/1/1428هـ كتبت مقالا بعنوان "جمع الدم العقاري" وأشرت فيه إلى ما نقلته وسائل الإعلام من أن مجلس الشورى يدرس تنظيما لإنشاء هيئة عامة للإسكان والتنمية الاقتصادية وعلقت على ما سربته وسائل الإعلام من مواد مقترحة, وكان الواضح أن المشروع - سواء من اسم الهيئة أو من صلاحياتها - يشمل جانبين, الأول: الإسكان, والثاني: التنمية الاقتصادية.
إلا أن الجهات التشريعية فيما يبدو انتهت في صياغة المشروع إلى قصره على جانب واحد فقط إلا وهو: الإسكان, حيث صدر قرار مجلس الوزراء رقم(275) وتاريخ 28/8/1428هـ بالموافقة على تنظيم الهيئة العامة للإسكان, وقد نص القرار على نقل المهمات المتعلقة باستراتيجية الإسكان ومتابعة تنفيذها وإيجاد قاعدة معلومات إسكانية وإعداد الدراسات والأبحاث الإسكانية إلى الهيئة, ونقل مهمات الإسكان الشعبي من وزارة الشؤون الاجتماعية إليها, ونص التنظيم على أن الهيئة تهدف إلى توفير السكن المناسب وفق الخيارات الملائمة لاحتياجات المواطنين, وخص بالأهمية: تيسير حصول المواطن على مسكن ميسر, وزيادة نسبة تملك المساكن وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في دعم نشاطات وبرامج الإسكان, وقد نص التنظيم على آليات تطبيق هذه الأهداف من خلال عدد من المهمات.
وللهيئة حسب التنظيم مجلس إدارة يعد السلطة المهيمنة على إدارة شؤونها وتصريف أمورها, ومن أهم ما أسند إليه إعداد مشروع نظام لمنح الأراضي المعدة للسكن في ضوء الترتيبات التنظيمية التي تعتمد لقطاع الإسكان, وهو من المهمات الأساسية والمحورية في هذا الجانب, وفي حال تم إقرار نظام متكامل بهذا الخصوص وبسرعة فسيتم معالجة الكثير من الخلل في هذا القطاع المهم. وتأكيدا على جدية الموضوع والرغبة في التطوير، فقد نص التنظيم على أن يكون للهيئة محافظ في المرتبة الممتازة وهو المسؤول التنفيذي عن إدارتها, كما نص على تعيين مراجع حسابات خارجي واحد أو أكثر للرقابة على حسابات الهيئة.
قد أحسن المنظم حين قصر هذا التنظيم على موضوع الإسكان, ولم يجمع معه التنمية الاقتصادية حيث إن هدف الموضوعين مختلف كما أن البرامج والآليات والاستراتيجيات لكل منهما تختلف عن الآخر, بل قد يكون بينهما شيء من التعارض- للتذكير تم فصل موضوع المالية عن الاقتصاد بعد أن كانا في وزارة واحدة, والمياه عن الزراعة كذلك -, حيث إن موضوع الإسكان يهدف إلى توفير السكن المناسب بالجودة المناسبة وزيادة المعروض ونحو ذلك, وبالطبع ستسعى الهيئة كونها جهة حكومية إلى توفير ذلك بالتكلفة المناسبة, بل وقد تكون بالمجان كما في المنح والإسكانات الشعبية, ودورها في تشجيع القطاع الخاص في هذا الخصوص, وهذا لا يتناسب كثيرا مع الجانب الآخر المتعلق بالتنمية الاقتصادية والتي تهدف إلى تنظيم الأوعية الاستثمارية ونشاطاتها وهي نشاطات تستهدف الربح بالدرجة الأولى وذلك من خلال القطاع الخاص.
أتمنى لإكمال هذا المشروع أن تتم المسارعة في إنشاء الهيئة, وأن تباشر اللجنة الفنية المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء أعمالها بوضع خطة تنفيذية لنقل الموظفين والوظائف والممتلكات والوثائق والمخصصات المالية المتعلقة باستراتيجية الإسكان من وزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة الشؤون الاجتماعية إلى الهيئة, كما أتمنى أن تباشر الهيئة أعمالها لتحقيق أهدافها بقدر ما تستطيع فالوضع لا يحتمل التأخير.. وألا تنشغل بالدراسات والاستراتيجيات والأبحاث سنين طويلة كما انشغل غيرها من الهيئات والجهات بذلك ومضى وقت طويل ولم تبدأ بالعمل بما طلب منها, لا سيما أن لدينا كماً هائلاً من الدراسات والأبحاث في هذا الخصوص مفرقة في الكثير من الجهات الرسمية والقطاع الخاص, ومن الممكن تكليف استشاري متخصص يتولى جمع هذه الدراسات للمساعدة على صياغة خطة استراتيجية للهيئة.
على كل حال لابد من استيعاب أن الموضوع لا يحتمل التأخير, ولو أمكن الكشف عن أمنيات وطموحات ورغبات المواطن السعودي – وبالذات الشباب منهم - لوجدت عبارة.. "الإسكان أولا".