Author

كيفية التصدي لظاهرة التسول وعلاجها؟ (2)

|
إن ظاهرة التسول ليست نتيجة عامل واحد, بل هي من نتاج عدة عوامل, لذا فإن علاجها والوقاية منها يتطلب أن تعمل هذه الوسائل التي بيناها معاً في منظومة متكاملة حتى تحقق النتائج المرجوة منها. تناولت في مقال سابق أسباب ظاهرة التسول وآثارها الاقتصادية؛ أما عن كيفية التصدي لظاهرة التسول وعلاجها, فيُمكن القول إن الجهات المختصة في السعودية تسعى إلى التصدي لها انطلاقاً من التوجهات العامة لولاة الأمر. وهذا يتطلب اتخاذ إجراءات فاعلة للوقاية منها قبل حدوثها ولمكافحتها حال حدوثها, وأرى أن من أهم الوسائل التي يُمكن اللجوء إليها في هذا الصدد: ـ تفعيل فريضة الزكاة, فهي الأداة الأولى للتخفيف من حدة الفقر, وهي السياج الواقي من الانحراف والجريمة, فالزكاة حق للفقير في مال الغني, من خلالها يحدث التراحم والتعاطف في المجتمع, ويتم تضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء, ما يغرس بذور الأمن الاجتماعي, ويُساعد على الوقاية من جرائم عديدة تُحركها الحاجة والفقر, ومن ثم فالزكاة تُعتبر المؤشر الصحيح في المجتمع الإسلامي على سلامة أوضاعه اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً. ـ تطبيق وتفعيل الوقف طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. فالوقف هو منع بيع الرقبة (مثل عقار أو أرض ..) والتصدق بمنفعتها على وجه مخصوص. ومن ثم يُمكن استخدام العائد من الوقف في سد حاجة بعض الأسر الفقيرة ورفع مستواهم العلمي والصحي من ناحية, والتخفيف عن كاهل الدولة من ناحية أخرى. ـ تشجيع أشكال الإنفاق التطوعي الأخرى مثل الوصية والهبة والصدقات والكفارات, ما يُساعد على زيادة التكافل والتضامن بين أبناء المجتمع. ـ إنشاء قاعدة بيانات للأسر الفقيرة, بحيث تتضمن كافة المعلومات الاقتصادية والاجتماعية عن كل فرد من أفراد الأسرة, حتى يُمكن توجيه المساعدات والمعونات النقدية والعينية بصورة شهرية أو متكررة أو طارئة أو استثنائية. ـ العناية بالأحياء الفقيرة برفع مستوى الخدمات والبنية الأساسية بها, ونشر دور الرعاية الاجتماعية فيها, وتنفيذ برامج لشغل أوقات الفراغ لدى الأطفال والشباب والنساء والمسنين. ـ يُمكن عمل مشروع خيري يحمل شعار "إغاثة ومساعدة أطفال الشوارع", وذلك بإنشاء مراكز متخصصة لاستقبال أطفال الشوارع, وتوجيههم اجتماعياً ودينياً, وإنشاء دور للإقامة المؤقتة أو الدائمة, ومشروع متكامل للتنمية. ـ منح قروض حسنة دون فوائد للأسر الفقيرة لتنمية دخلها ورفع مستواها, بإنشاء مشاريع إنتاجية صغيرة أو متوسطة. ـ معالجة ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس, وتشجيع برامج محو الأمية للكبار ممن فاتهم قطار التعليم, والاهتمام بمدارس التعليم الفني والمهني المتخصصة. ـ مكافحة ظاهرة العمالة السائبة, نظراً لأنها تمثل أحد أهم أسباب ظاهرة التسول. ـ تنمية الوازع الديني لدى المتسولين وأسرهم, ومحاولة إصلاحهم حتى يُصبحوا أعضاء نافعين عاملين في المجتمع. ـ ضرورة تغيير النظرة المتبادلة بين المجتمع وأطفال الشوارع للوقاية من الإجرام المستقبل, وكذلك تغيير النظرة إلى المعوقين والعمل على دمجهم في المجتمع. ـ نشر الوعي العام بخطورة مشكلة التسول بين الجهات والجمعيات الأهلية ذات الصلة بالظاهرة لرفع مهارات العاملين بها للوقوف على الحجم الحقيقي للمشكلة وطبيعتها, ووضع الحلول الوقائية والعلاجية لها. ـ أهمية تضمين بعض برامج المدارس في المراحل الدراسية الأولى, تعريفاً للتسول وتوضيحاً لأضراره على الفرد والمجتمع. ـ ضرورة قيام وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بدور مهم في التعريف بالظاهرة, وتوضيح حجمها, وأضرارها من خلال الكتابات والبرامج والندوات. ـ تفعيل دور المواطن والمقيم في الوقاية من ظاهرة التسول, وذلك بعدم التبرع لأي شخص يطلب أو يستجدي المال في الشارع أو على أبواب المساجد أو المستشفيات أو غيرها من الأماكن العامة, بل يتم توجيه هذه الأموال وإيداعها في صناديق خاصة توزع حصيلتها على الأسر المعوزة من واقع البيانات الرسمية عنهم. ـ الأخذ بنظام الأسر المنتجة, فبدلاً من إعطاء المتسول مبلغاً من المال فيُمكن توفير فرصة عمل له أو تعليمه حرفة أو فتح محل له ليُصبح عضواً منتجاً, ويُمكن أن يقوم بعض رجال الأعمال ببعض هذه المشاريع الخيرية في إطار الدور الاجتماعي والوطني الذي يقع على عاتق أصحاب رؤوس الأموال. ـ تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية, مثل المركز الخيري للإرشاد الاجتماعي والاستشارات الأسرية, ومقره مدينة الرياض, الذي أنشئ عام 1416هـ ليكون الأول من نوعه على مستوى المملكة, ليُقدم الخدمات الاجتماعية والوقائية والعلاجية للمشكلات الأسرية (مثل مشكلات الأسر المفككة والطلاق والترمل والمشكلات المسببة للانحراف), كما يُقدم خدمات التثقيف والإرشاد والتوجيه لهذه الأسر. ـ تفعيل دور إدارة مكافحة التسول, من خلال تعاون المواطن والمقيم معها لتحقيق أهدافها. ـ رصد جائزة سنوية لأفضل جمعية خيرية تساعد على القضاء على هذه الظاهرة, وترفع مستوى الأسر الفقيرة, وتجنب بعض أفرادها اللجوء إلى الشارع للتسول والاستجداء. ـ تفعيل العقوبات النظامية للتسول وللظواهر الأخرى المرتبطة به مثل ظاهرة العمالة السائبة والتسلل عبر الحدود, وهذا يتطلب نوعاً من المرونة في مواجهة بعض العقبات الإدارية والنظامية. ـ عدم توزيع الصدقات في الأماكن العامة, حتى لا يستغلها البعض ممن لديهم استعداد للتسول. ـ دعم برامج تشغيل العاطلين عن العمل من خلال تدريبهم وتأهيلهم ليصبحوا عمالا مهنيين تستقطبهم المصانع والشركات. ـ تشجيع الأبحاث الاجتماعية والجنائية والإحصائية, وتوجيهها نحو أبعاد هذه الظاهرة, ووضع الحلول الفاعلة لها. والخلاصة, أن ظاهرة التسول ليست نتيجة عامل واحد, بل هي من نتاج عدة عوامل, لذا فإن علاجها والوقاية منها يتطلب أن تعمل هذه الوسائل التي بيناها معاً في منظومة متكاملة حتى تحقق النتائج المرجوة منها.
إنشرها