وزارة الزراعة وتحديات جديدة
مقال رائع وهادف من الدكتور أمين الساعاتي عن وزارة الزراعة يوم الأحد الماضي في جريدة "الاقتصادية"، يقول فيها نُحن نحتاج إلى فتح ملفات المساءلة حول وزارة الزراعة، وأتمنى من الإعلام وبالذات الصحافة القيام بحوارات قد تساعد الوزارة أن يستفيدوا من التجارب السابقة وتحقيق أمنية الملك سعود ويحدثوا نقلة للزراعة السعودية، كما حدث في المواصلات والاتصالات والتعليم وفي مجالات أخرى مازال المواطن ينعم في ظلالها.
وإن كُنت لا أرى نقلات نوعية ومهمة في التعليم سوى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك عبد الله للأبحاث والدراسات العليا، ولكن سأسير على نسق مقالة عن وزارة الزراعة، وأقول ليس هناك من يدعي أن التنمية الزراعية قد اكتملت لدينا، أو أن المزارعين يستخدمون المياه الجوفية الاستخدام الأمثل، على الرغم من أن أنشطة وزارة الزراعة تستقطب اهتماما كبيرا من الدولة لأنها مسؤولة أيضا عن الإنتاج الحيواني والسمكي، رغم كل ما أثير حولها من جدل حول المخزون المائي وأثر زراعة القمح والشعير فيه.
لذلك نقول (كش ملك) لوزارة الزراعة، بقدرتها على دعم 27 ألف مزارع، لتسليم قرابة 3.5 مليون طن إلى المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق مقابل 6.6 مليار ريال. لأننا اكتشفنا أننا نفقد المخزون المائي المحدود للغاية ويتناقص بشكل كبير مقابل تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وندفع خمسة أضعاف هذا المبلغ في تحلية المياه من البحر، لذلك فإن قرار الحكومة صائب في خفض الدعم التدريجي، وصدور الأمر بتخفيض إنتاج القمح والشعير, وهو إجراء منطقي, إذ لم يكن الهدف أبدا منافسة الولايات المتحدة الأمريكية في أسواق القمح العالمية, بل كان الهدف هو تحقيق حد معين من الإنتاج المحلي.
وهكذا تم تخفيض إنتاج القمح والشعير انسجاما مع توجهات سياسة الدولة, وما استهدفته خطط التنمية خاصة السادسة التي أقرت تخفيض إنتاج هذين المحصولين إلى مستويات لا تتجاوز الاستهلاك المحلي, وقد تزامن خفض الإنتاج الكلي للمحصولين مع تحقيق معدلات إنتاج عالية بلغت 4.7 طن للهكتار بالنسبة للقمح و5.3 طن للهكتار بالنسبة للشعير، وفي اعتقادي أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في بلد صحراوي، لا يعني سوى الرغبة في (التحدي) مع من الله أعلم!
ومهما يكن الأمر من مفارقات أو تفاوت في وجهات النظر في هذا الموضوع, فقد تلذذنا خلال المواسم الماضية بالعنب من الطائف والزيتون من الجوف والمنجا من جازان وقد كنا سابقا لا نعرف سوى التمر والبطيخ.
الزراعة تعني بطبيعة الحال أنها مترابطة بتوافر الأراضي الزراعية الخصبة والأمطار، ولكن لعدم توافرها وضعنا نظام استصلاح، ونتيجة لذلك قامت وزارة الزراعة بتوزيع الأراضي البور بموجب نظام خاص صدر في عام 1388هـ كأحد برامج الدعم والتشجيع للاستثمار الزراعي, وتحت هذا النظام بلغ مجموع ما تم توزيعه على الأفراد والشركات 2.9 مليون هكتار، استفاد منها 110 آلاف مزارع ومستثمر, وبلغ معدل النمو السنوي في المساحة الزراعية 20 في المائة وهو معدل نمو عال بشتى المقاييس؟
لقد بات واضحا مما سبق, أن الاستثمار في القطاع الزراعي هو استثمار تحد مع الذات، مما يعني أن نموه اعتمد في السابق وسيعتمد في المستقبل على دعم الدولة, وانطلاقا من ذلك, يبدو ضروريا أن تسعى الوزارة في هذا الصدد إلى تطوير مناخ الاستثمار الزراعي من حيث مراقبة استغلال الأراضي البور, وتكثيف وزيادة جرعة إعداد الفرص الاستثمارية بين أوساط القطاع الخاص عبر دراسات ميدانية ومساحية موثقة بالأرقام مع دعمها بالجوانب التسويقية والتقنية.
والواقع أيضا أن المستثمر في القطاع الزراعي في حاجة إلى التمويل اللازم من خلال البنك الزراعي السعودي, والهدف هنا أن يتم تقنين مراحل الاستثمار الزراعي, حيث توجد لكل مرحلة وسائل وأساليب تدفع بالمشروع الزراعي إلى الإنتاج والمساهمة في الإنتاج الوطني, بما في ذلك استكشاف الفرص وتمويلها ولو حتى بشكل جزئي.
إن الفرص الواعدة لا تنحصر فقط في المشاريع الزراعية بل أيضا تشمل مشاريع خدمية تدعم البنية التحتية المساندة مثل مشاريع الري, وإنشاء السدود وصيانتها, والإرشاد والاستشارات, ومكافحة الآفات وغيرها كثير مما يسهم في خفض تكلفة الاستثمار في الزراعة, وبما ينعكس أخيرا على تشجيع المستثمرين في وضع أموالهم ومدخراتهم لتطوير الأراضي البور زراعيا.
ختاماً يبقى القول, إنه على الرغم من الصعوبة الظاهرة, إلا أن هناك عناصر مشجعة إلى حد كبير, منها أن القطاع الحيواني والسمكي، حقق إنجازات وقفزات كبيرة في الماضي, وليس هناك ما يمنع أن تنجز الخطوات في هذا المجال ونشهد مشاريع في المستقبل بوجود الشركات المساهمة التي تتم إدارتها من قبل نخبة من المستثمرين والمهنيين، وقد يوفر أيضا نقطة انطلاق للتعرف على تطلعات القطاع الخاص السعودي الاستثمارية في هذا المجال.