ثقافة البترول للجميع

[email protected]

تستضيف المملكة العربية السعودية يومي السبت والأحد المقبلين القمة الثالثة للدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، وعددها اثنتا عشرة دولة، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. تلك القمة تأتي في وسط ظروف دولية دقيقة لأسواق البترول, إذ تحف بها أجواء من الحذر والترقب للنتائج التي يمكن أن تفرزها أوضاع المنطقة المضطربة ونزاعاتها سواء ما هو قائم الآن أو ما يلوح منها في الأفق. ذلك أن أسواق البترول، التي تعد من أكثر أسواق السلع نضجاً وانضباطاً في العالم، باتت تعمل في الآونة الأخيرة بكامل طاقتها عبر جميع حلقات الإنتاج, التكرير, والتوزيع ما أفقدها المقدرة والمرونة اللتين كانت تتميز بهما في مواجهة الأحوال الاستثنائية وسد ما قد يطرأ من عجز هنا أو هناك.

وليت مصادر القلق في صناعة البترول تقتصر على الأزمات العابرة فحسب, بل هناك قضايا أخرى رئيسة بدأت تستفحل مع مرور الزمن ومن المرجح أنها باقية معنا لوقت طويل دون خيارات جيدة. على رأس تلك القضايا توفير إمدادات كافية بشكل منتظم لسد احتياجات الطلب المتزايد, ولا سيما في مراكز الاستهلاك الجديدة, البيئة والتغييرات المناخية, مصادر الطاقة البديلة, وغيرها. وهي كما نرى قضايا أصبحت تطغى على محاور العلاقات الدولية ما يجعلها تحتل العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام كافة وبكل اللغات بشكل متواصل لا يكاد ينقطع. ومن ثم أحسنت صنعاً وزارة البترول والثروة المعدنية بتنظيم دورة لمدة أسبوع لعدد كبير من الإعلاميين السعوديين حول الصناعة البترولية كجزء من فعاليات قمة " أوبك " الثالثة, إذ هدفت الوزارة من تلك الدورة, كما جاء في التقرير الذي نشرته "الاقتصادية" في 18/10/1428هـ, "نشر الثقافة البترولية بشكل أوسع بين أفراد الوسط الإعلامي السعودي وبالتالي نشرها في المجتمع وفتح قنوات تواصل مع الوسط الإعلامي".

لم تكن تلك الدورة المبادرة الأولى للوزارة في ذلك السياق, إذ سبقتها في مناسبات أخرى دورات مشابهة كتلك التي عُقدت منذ نحو أربع سنوات عندما أُبرمت اتفاقيات التنقيب عن الغاز غير المصاحب وإنتاجه في مناطق شاسعة من شمال الربع الخالي. يومئذ كتبت مقالاً ("الاقتصادية" في 15/1/1424هـ) أشدت فيه بتلك الخطوة وما عكسته من تعامل حضاري مع واحدة من أهم قضايا الشأن العام. كما تطرقت في ذلك المقال إلى الحاجة لإطلاق برنامج واسع يستهدف المجتمع بكل أطيافه تحت شعار "ثقافة البترول للجميع".
اليوم وبعد مرور أربعة أعوام تقريباً على نشر ذلك المقال تبدو الحاجة أكثر إلحاحاً للبدء في عمل مؤسسي يثري ثقافة المجتمع عن البترول وقضاياه. ذلك أن أهمية البترول للمملكة لم تعد تقتصر على الإيرادات الكبيرة التي يحققها للخزانة العامة التي تمثل أكثر من 85 في المائة من إجمالي الدخل, بل أصبحت المواد الهيدروكربونية (البترول والغاز ) المحرك الأساس للاقتصاد الوطني ابتداء من المجمعات الصناعية إلى وسائل النقل مروراً بمحطات تحلية المياه وتوليد الكهرباء وغيرها. تلك الاستخدامات الواسعة والمكثفة للبترول والغاز دفعت بمعدل الزيادة السنوية للاستهلاك المحلي إلى مستويات عالية تصل إلى نحو 3.5 – 4 في المائة وهي تفوق بكثير (ربما ضعف) المعدلات السائدة في معظم الدول الصناعية, ومن المتوقع أن يستحوذ الاستهلاك المحلي (فيما لو استمرت الزيادة وفق ذلك المعدل) على نصف مجموع إنتاج المملكة من البترول بحلول عام 2016م أي في مدة لا تزيد على عشر سنوات فقط من الآن. ذلك الطلب المتزايد للسوق المحلية لا يمكن تبريره بالكامل كمحصلة طبيعية للتوسع في الصناعة, نمو الاقتصاد, زيادة عدد السكان, وارتفاع مستوى المعيشة. إذ إن الإحصاءات المقارنة ومن بينها متوسط استهلاك الفرد للطاقة تضع المملكة في المرتبة الأولى ما ينبئ عن الحاجة إلى ترشيد ذلك الاستهلاك.
هناك قضايا كثيرة في مجال البترول والغاز, إلى جانب ترشيد الاستهلاك, ينبغي للمجتمع أن يدرك أبعادها كي يستطيع التعامل معها بوعي وكفاية. من تلك القضايا الزيادة المطردة في تكلفة الإنـتاج, التهافت المتزايد في الداخل والخارج على المواد الهيدروكربونية وما يترتب عليه من أهمية تحديد الأولويات, إمدادات البترول والغاز للمناطق الجغرافية المختلفة في المملكة لدعم المدن الاقتصادية الجديـدة, حماية البيئـة, وغيرها.
إن الأمية السائدة في المجتمع فيما يخص قطاع البترول وأبجدياته تشكل عائقاً أمام طرح الكثير من تلك القضايا الملحة للحوار عبر وسائل الإعلام ما يحتم معالجة ذلك الخلل كي ندرأ عنا مخاطر الجـدل الغوغائي. ومن ثم أعود فأقول إن هناك حاجة إلى عمل مؤسسي لبناء ثقافة المجتمع عن البترول وقضاياه, ولعل وزارة البترول والثروة المعدنية تجد في هذا الطرح ما يبرر المبادرة لتبني هذا العمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي