هل تؤثر أزمة أسواق المال العالمية في الاقتصاد السعودي؟
أسبوع صعب بالنسبة للأسواق العالمية على الرغم من الدعم القوي من البنوك المركزية العالمية للتخفيف من مشكلة أسواق الائتمان والتي عصفت بمؤشرات الأسواق المالية إلى أدنى مستوياتها خلال الأسبوع ما قبل الماضي. ففي بداية الأسبوع استقرت الأسواق المالية عند معدلاتها التي بلغتها الأسبوع ما قبل الماضي ولكنها سرعان ما تراجعت مرة أخرى يومي الثلاثاء والخميس الماضيين بعد صدور تقارير تتعلق بعملاق التجزئة الأمريكي وول مارت Wall Mar، حيث أشار تقرير صادر عنه إلى أنه يتوقع أن تنخفض أرباحه لهذا العام بسبب ضعف استهلاك الأفراد، الذي أدى إلى انخفاض في المبيعات. وفي الاتجاه نفسه أشارت متاجر هوم ديبوت Home Depot المتخصصة في تحسين المنازل إلى انخفاض أرباحها ربع السنوية وذلك نتيجة الضعف في قطاع الإسكان. وانخفض الداو جونز في ذلك اليوم بمعدل 207.71 نقطة أو 1.57 في المائة ليغلق عند 13028.92 نقطة بينما أغلقت المؤشرات الأخرى والأوسع نطاقاً من الداو جونز على معدلات انخفاض أكبر، حيث انخفض مؤشر ستاندارد آند بوورز 500 بمعدل 26.38 نقطة أو 1.82 في المائة ليغلق ذلك اليوم عند معدل 1426.54 نقطة، كما أغلق مؤشر النازداك على انخفاض بواقع 43.12 نقطة أو 1.70 في المائة ليغلق على 2499.12 نقطة. وبسبب تقييد الائتمان أصبح الطلب على السندات عالياً مما أدى إلى ارتفاع أسعار السندات الأمريكية وفي الوقت نفسه تخفيض العائد عليها، حيث انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية التي تستحق خلال عشر سنوات يوم الثلاثاء الماضي ليبلغ 4.73 في المائة منخفضاً من معدل 4.78 في المائة.
وفي يومي الأربعاء والخميس الماضيين تهاوت الأسواق المالية مرة أخرى مما أدى إلى ارتفاع مخاطر الاستثمار في هذه الأسواق بشكل كبير، حيث كسر الداو جونز حاجز الـ 13000 ألف التي بلغها في نيسان (أبريل) الماضي ليغلق يوم الخميس على 12845.78 نقطة. وعلى أثر ذلك بلغ مؤشر VIX للتذبذب في الأسواق الأمريكية أعلى معدلاته منذ تشرين الأول (أكتوبر) عام 2002 وهو 35.25 نقطة ومرتفعاً بمعدل 15 في المائة، وذلك على أثر إعلان كبرى شركات التمويل العقاري كونتري وايدCountrywide الحصول على تمويل بنكي بمقدار 11.5 مليار دولار لمواجهة أزمة السيولة الناتجة عن زيادة مخاطر الإقراض، كما أعلنت شركة First Magnus إيقاف عملية التمويل لأي قروض جديدة في قطاع الإسكان. هذا أدى إلى انخفاض شديد لأسهم الشركات التي توفر المواد الخام لقطاع المقاولات ومنها شركة جنرال إلكتريك GE وشركة التقنية المتحدة United Technology Corp.. ونتيجة لذلك انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية مرة أخرى والتي تستحق خلال عشر سنوات ليبلغ 4.60 في المائة وذلك كانعكاس لارتفاع أسعار سندات الخزانة الأمريكية وذلك بسبب انخفاض عرض السندات الأخرى بسبب ارتفاع المخاطر مما يمثل ناحية إيجابية بالنسبة للحكومة الأمريكية، حيث يرتفع الطلب على سندات الخزانة الأقل مخاطرة في مثل هذه الحالة.
وفي يوم الجمعة الماضي بدا أن الوضع بدأ بالتغير عندما أعلن الاحتياطي الفيدرالي تخفيض سعر الفائدة الذي يفرضه على البنوك التجارية بـ 0.5 نقطة ليبلغ 5.75 في المائة وذلك في مسعى لتشجيع هذه البنوك على ضخ المزيد من السيولة في سوق الائتمان وفي رسالة غير عادية من الاحتياطي الفيدرالي على أنه يضع كامل ثقله وقوته في سبيل تجاوز هذه الأزمة. وعلى أثر ذلك افتتحت الأسواق المالية على ارتفاع قوي لكل المؤشرات، حيث ارتفع الداو جونز وحتى لحظة إعداد هذا التقرير بـ 238.18 نقطة وبمعدل 1.85 في المائة وليكسر حاجز الـ 13000 مرة أخرى، بينما ارتفع مؤشر ستنادارد آند بوورز بـ 34.92 نقطة وبمعدل 2.47 في المائة. أما مؤشر النازداك فقد ارتفع هو الآخر على أثر ذلك الخبر بـ 54.14 نقطة وبمعدل 2.21 في المائة. الأسهم الأوروبية أيضاً تلقت الخبر بشكل إيجابي، حيث ارتفعت المؤشرات الأوروبية جميعها وبمعدلات راوحت بين 1.49 و3.50 في المائة بالنسبة لمؤشر فوتسي 100 البريطاني، الذي ارتفع يوم الجمعة بـأكثر من 200 نقطة. أما في آسيا فالوضع استمر في انخفاض، حيث انخفض مؤشر النيكاي الياباني بـ 874.81 نقطة وبمعدل 5.42 في المائة في حين انخفض مؤشر هانج سينج بمعدل 1.38 في المائة.
وضع حرج لصناديق التحوط
حذرت شركة التصنيف الائتمانيMoody’s من إمكانية تحول الوضع الحالي في سوق الائتمان إلى أزمة بالنسبة للكثير من صناديق التحوط كتلك التي حدثت في عام 1998 عندما انهار صندوق التحوط LTCM والذي سبب أزمة كبرى أدت إلى تدخل الاحتياطي الفيدرالي بدعمه بمليارات الدولارات. وكانتMoody’s قد تعرضت لعاصفة من الانتقادات بسبب فشلها في تخفيض التصنيف الائتماني للسندات المدعومة بالقروض المنخفضة الملاءة الائتمانية في الوقت الملائم، حيث لم تبدأ في تخفيض تصنيفها لها إلا في تموز (يوليو) عندما خسرت هذه السندات الكثير من قيمتها.
وكانت مشاكل سوق الائتمان - وكما أشرت في التقارير السابقة - قد بدأت عندما أعلن أن صندوقي تحوط تابعين للبنك الاستثماري بيرن ستيرن قد انهارا تقريباً بسبب مراهنتهما على القروض المنخفضة الملاءة الائتمانية والمتعلقة بقروض الإسكان. تبعهما في ذلك أزمة صندوق التحوط التابع لبنك قولدمان ساكس، الذي يعد من أكبر صناديق التحوط، حيث دفع البنك بملياري دولار لدعم الصندوق الذي خسر أكثر من 28 في المائة من قيمته هذا الشهر.
هذا الأمر يثير الكثير من التساؤلات بشأن ما يحدث أو ما يمكن أن يحدث فعلاً بالنسبة لباقي صناديق التحوط والتي لم يتم الكشف بعد عن نتائجها، حيث يوجد في الولايات المتحدة أكثر من 8000 صندوق تحوط وهي غير مقيدة بقوانين محددة تلزمها بحدود مخاطر معينة كتلك المعمول بها بالنسبة لصناديق الاستثمار المشتركة، مما يزيد من القلق بشأن ما يمكن أن يكون عليه الوضع في حال ظهر أن الكثير من هذه الصناديق خسرت الكثير من قيمتها.
الوضع بالنسبة للأسواق السعودية
لاحظت أن الكثير من المحللين أشاروا إلى أنه لن يكون للمشكلة الحالية في أسواق الائتمان العالمية أي أثر في السوق السعودي أو الأسواق الخليجية. واعتمد المحللون في ذلك على أن السوق السعودي سوق مغلق للاستثمار في وجه المستثمر الأجنبي. ولكن يبدو أن من قال بهذا الرأي لم يستوعب فعلاً المشكلة الحقيقية التي يشهدها الاقتصاد العالمي حالياً. فالمشكلة التي يشهدها الاقتصاد العالمي في الأسواق العالمية هي نتيجة وليست سبباً وهي نتيجة لأزمة بدأت من سوق القروض العقارية المنخفضة الجودة والتي أثرت بدورها في سوق الائتمان (السندات) ومن ثم حجبت التمويل الذي غذى الارتفاعات في أسواق الأسهم الأمريكية. إذاً ينبغي عند تقرير إمكانية تأثر الأسواق السعودية النظر إلى مدى انفتاح سوق الائتمان وليس إلى مدى انفتاح سوق الأسهم السعودي. فسوق الائتمان السعودي سوق مفتوح على العالم الخارجي وتأثر الاقتصاد المحلي سوف يعتمد بشكل كبير على حجم استثمارات البنوك السعودية في سوق الائتمان العالمي. هذا لا يعني أن نكون متشائمين بشأن هذا الوضع وإنما هو تصحيح النظرة إلى المخاطر المتعلقة بالأزمة العالمية الحالية. ناحية أخرى يمكن أن تكون ذات تأثير سلبي في الاقتصاد السعودي هي في حالة عدم فاعلية التدابير التي تقوم بها البنوك المركزية العالمية لاستعادة الوضع الطبيعي لسوق الائتمان، ومن ثم حدوث أزمة اقتصادية عالمية سوف تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي ككل ومن ثم على الطلب على النفط العالمي. وكلا الأمرين ممكن حدوثهما، حيث إن الاحتياطي الفيدرالي وبعد أن ضخ قرابة 38 مليار دولار خلال الأسبوع ما قبل الماضي عاد وضخ قرابة 11 مليار دولار الأسبوع الماضي مما يشير إلى عدم كفاية الدعم الذي قدم خلال الأسبوع ما قبل الماضي. أيضاً أقدمت اليابان، التي انهار سوقها المالي بشكل كبير هذا الأسبوع على خطوة مماثلة بضخ قرابة ثلاثة مليارات دولار في أسواق الائتمان. هذا هو السيناريو الأكثر تشاؤماً، أما الأكثر تفاؤلاً فهو تجاوز هذه الأزمة وعودة الكثير من الاستثمارات السعودية إلى الداخل مما سيدعم وضع سوق العقار والأسهم على حد سواء لأنهما القناتان الأسهل استيعابا لمثل هذه الأموال.