المياه (الفرنسية) أغلى من نفط السعودية
أقل ما يوصف أزمة نقص المياه في السعودية أنها كارثة (استراتجية) بشتى المقاييس، ولم تفلح جميع الدراسات الدولية والإعلام الداخلي ممن تناولوا هذا الموضوع في تحريك وتفعيل نظام المحافظة على المياه الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم 140 وتاريخ 19/7/1400هـ الراكد وغير المفعل، وأعتقد أننا في حاجة إلى (إرادة سياسية) أخرى لحسمها! إن المياه أغلى من الطاقة في حياة الشعوب، لذلك نجد سعر لتر مياه (أفيان) الفرنسية يعادل 16 ريالا وسعر لتر نفطنا الخام عشرة ريالات في الوقت الحالي بعد أن وصل سعر برميل النفط 90 دولارا.
فقضية المياه تعتبر من القضايا الاستراتيجية والجوهرية، ووضعت لها وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية خطة عشرينية لتنمية الاستثمار في الموارد المائية، وجعلتها من القضايا الأساسية التي تواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وما دامت لدينا استراتيجية مكونة من خطط قصيرة الأجل ومتوسطة وطويلة الأجل، فما هي الجهة المسؤولة في التنفيذ، هل هي وزارة المياه أم وزارة المالية التي تقدم المال لتنفيذ المشاريع؟ أدعو الله ألا يكون للمالية دور في هذه المشكلة! لأن إيرادات النفط القياسية جاهزة لتمويل أي مشروع، وأي مشاريع نتحدث عنها، إنها تخص عصب الحياة حالياً وهي الماء.
وعلى وزارة المياه والكهرباء الدفع لنجاح شركة المياه التي تم إقرارها، لتحريرها من قبضة الإجراءات البيروقراطية وتحذو مثل الاتصالات والخطوط السعودية، ويجب أن تنجح شركة المياه بربط مجمل التكاليف بالمبيعات، لأن الشركة ستقدم منتجا محددا قابلا للقياس، وبالتالي يمكن معرفة تكلفته وجعل المستهلك في المنزل يدفع على الأقل سعر التكلفة وهي نقطة التعادل، إضافة إلى تسعير المياه للاستخدامات الصناعية والاقتصادية باحتساب هامش ربح معين.
ومع الارتفاع الكبير لمحطات التحلية وتكلفة إنشائها وصيانتها، وجب البدء حاليا بالتركيز على تطبيق الأساليب التي تؤدي إلى خفض التكلفة، وتحسين أداء المحطات باستخدام الغاز الطبيعي كوقود أساسي، كما تبدو الحاجة ملحة إلى استنباط أنماط تقنية أكثر ملاءمة لتحلية المياه تتناسب مع الظروف الطبيعية مثل الاستعذاب بالطاقة الشمسية، ودمج طرق التقطير الوميضية مع الطرق الغشائية المستخدمة. علما أن محطات التحلية تستخدم حاليا أسلوبين في تحلية المياه وهما التقطير الوميضي متعدد المراحل لإنتاج المياه والكهرباء معاً، وهو الأكثر شيوعاً، والثاني التناضح العكسي باستخدام الأغشية لإنتاج المياه المحلاة فقط. إن توفير خدمات المياه للمستهلكين على أوسع نطاق دون مقابل أو بأسعار متدنية دون حسبان لتكلفتها الرأسمالية العالية تتسبب في ارتفاع متوسط نصيب الفرد من مياه الشرب بصورة مطردة، حيث تشير الدراسات إلى أن معدل استهلاك الفرد في السعودية قد تجاوز 286 لتراً في اليوم، لنصبح في المرتبة الثالثة عالمياً في استهلاك المياه بعد الولايات المتحدة وكندا.
كذلك المنتجات الزراعية مثل القمح والتمور والأعلاف تستهلك كميات كبيرة من المياه، وتتسبب في استنزاف مصادر المياه الجوفية بشكل خطير، فنحنُ لسنا بلدا (زراعيا) أيها المواطنون بل بلد (صحراوي)، وما ينتجه المواطنون والشركات من الزراعة بمئات الملايين سنخسر مقابلة عشرات المليارات في إنتاج المياه المحلاة، فأي اقتصاد زراعي الذي نتحدث عنه؟
يجب أن تكون النظرة المستقبلية أننا حين ندفع مقابل ما نستهلكه من ماء ليس (للدولة) وإنما للحفاظ على الأمن المائي للوطن، على أي حال يجب أن تعلم وزارة المياه أن كل عائلة في الوقت الحاضر تدفع ألف ريال شهريا لثلاث مرات ثمناً لوايت ماء من الآبار الجوفية، وندفع 500 ريال شهريا لماء الشرب .
وفي قضية الترشيد تحديداً لمس الكثيرون نتائج الحملة الوطنية التي انطلقت من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، فالقيادة ترغب في دق ناقوس الخطر حول قضية ترشيد المياه، فنحن بلد صحراوي ينتظر الأمطار كل عام (بالدعاء إلى الله) دون الاجتهاد والعمل بترشيد، ونخبط دماغنا في البحر للحصول على مصدر لمياه الشرب!
يجب علينا مراجعة اللوائح التنظيمية للمحافظة على المياه الجوفية والالتزام بتطبيقها، ووضع آلية ملزمة لتخفيض استهلاك المياه للأغراض الزراعية، ويجب أن نأخذ في الحسبان التوسع في استخدام الوسائل والتقنيات الحديثة للاقتصاد في استهلاك المياه، ووضع المواصفات والمقاييس الوطنية لجميع مرافق المياه، ومراقبة الاستهلاك والاستخراج من مختلف المصادر عن طريق القياس الفعال لعدادات المياه وتطوير أنظمة شبكات المياه ونقلها وتوزيعها للأغراض المنزلية، واتخاذ إجراءات فعالة لتحسين آلية التحصيل.
ختاماً: التاريخ لن ينسى (شجاعة) الدكتور غازي القصيبي حين تسلم وزارة المياه والكهرباء، وحذر باكراً بكل شفافية من أن الوطن مقدم على كارثة في نقص المياه إذا لم يتفاعل المواطن مع الواقع، ويسهم مع الدولة في حل المشكلة، وقد حددت الوزارة أسباب المشكلة في التالي:
أولا - اختلال التوازن بين موارد المياه المتاحة والطلب عليها نتيجة تزايد الطلب على الموارد المائية العذبة خاصة المياه الجوفية غير القابلة للتجديد لمواجهة الاحتياجات البشرية الأساسية، ولتلبية مختلف الأغراض الزراعية في (منطقة القصيم).
ثانيا - محدودية إمكانات تنمية المياه السطحية والجوفية المتجددة التي تعتمد كمياتها على الأمطار في (منطقة عسير).
ثالثا - التكاليف الباهظة التي تتحملها الدولة لإنتاج المياه (مياه البحر) المحلاّة وفي معالجة مياه الصرف الصحي في (جدة ـ الرياض ـ الدمام).