حول الموازنة العامة للدولة

[email protected]

تطلق كلمة (ميزانية) حسب الأعراف المالية على الأرقام المالية الفعلية, أي أن أرقامها أرقام فعلية حقيقية لفترة زمنية منتهية مثل الميزانيات التي تعلنها الشركات بعد انتهاء سنتها المالية، أما كلمة (موازنة) فهي أرقام تقديرية لفترة زمنية مقبلة, وتسمى في بعض الأحيان الموازنة التقديرية, وعادة ما تعد لأهداف رقابية وتخطيطية فهي تساعد على التنبؤ بالأحداث الاقتصادية وعلى ضبط المصروفات ومراقبة الإيرادات.
ورغم اختلاف المصطلحين إلا أن وزارة المالية لا تزال مصرة على تسمية الموازنة العامة للدولة الميزانية والإدارة المعنية بإعدادها الإدارة العامة للميزانية، وتبعها في هذا الخلط كثير من الصحف والكتاب رغم أنه مصطلح غير صحيح ويسبب لغطا في أوساط المهتمين بالمالية العامة.
والموزانة بشكل عام لا تحقق أهدافها الرقابية والتخطيطية إلا إذا أعدت بطريقة علمية سليمة من حيث الدقة في تقدير المصروفات والإيرادات والأخذ بالأولويات التي تنسجم مع الأهداف التخطيطية العليا وكذلك الرقابة على المصروفات والإيرادات بشكل منتظم ودقيق بطرق حديثة ومتطورة، ويضاف إلى ذلك المرونة في المناقلات التي لا بد منها, كما أنها تتطلب مناقشة شفافة مع جميع الجهات الحكومية الأخرى قبل إقرارها وقناعة تلك الجهات بالأرقام التقديرية التي ستعتمد لها ضمن مشروع الموازنة العامة بما في ذلك توزيعها على بنود الصرف المختلفة, فهي في نهاية المطاف المشرفة على قطاعات بعينها وتعلم ما تحتاج وما لا تحتاج إليه وما هو ضروري وغير الضروري وأخيرا فهي التي ستساءل عن أي قصور في عملها إذا كان ذلك ناتجا عن قلة الاعتمادات.
من هنا يلاحظ أن التقديرات التي تعلن ضمن الموازنة العامة للدولة في بداية كل عام تفتقد الدقة في جانب الإيرادات بالذات لأن وزارة المالية تعتمد أسلوبا شديد التحفظ عند تحديد أسعار النفط في حين أن كثيرا من المؤشرات لا تدعم تلك الأسعار المتحفظة وهذا ينتج عنه انخفاض شديد لفائض الموازنة المتوقع قياسا بالفائض الحقيقي وهو ما يتوقع حدوثه هذا العام.
في اعتقادي أن المرحلة التي تمر بها المملكة اليوم تتطلب تطويرا هيكليا في طريقة إعداد الموازنة العامة للدولة وتطوير آخر في الرقابة عليها وإشراك جهات أخرى في هذين العملين المهمين, مثل وزارة الاقتصاد والتخطيط وديوان المراقبة العامة ومندوبي الجهات الحكومية التي تعتمد لها موازنات منفصلة, ومجلس أعلى مستقل للبت في أي خلافات بين تلك الجهات ووزارة المالية لأن هذا يسهم في تفعيل عمل كثير من الجهات الحكومية التي تتحجج اليوم بقلة الاعتمادات وسيسهل على القيادة محاسبتها عن أي تقصير في عملها, والأهم أنه سيؤثر إيجابا في توجيه الاعتمادات لقنوات الصرف المهمة.
ومن حيث الرقابة على المصروفات فأعتقد أن أفضل طريقة لتحقيقها هي الشفافية في إعلان المخصصات المالية وصرفها لكل جهة حكومية على حد سواء، أكان ذلك عن طريق المواقع الرسمية على الإنترنت لتك الجهات أم الإعلان في الصحف, فهذا من شأنه أن يجعل منسوبي تلك الجهات والمهتمين والمتابعين رقباء على المال العام, وهو أسلوب ذاتي لا يتطلب كثيرا من الجهد, ولا سيما أن الدولة ـ أيدها الله ـ اعتمدت تأسيس هيئة لحماية النزاهة.
ويلاحظ كذلك أن الطريقة المعتمدة اليوم لعرض الموازنة العامة لا تفيد الباحثين والدارسين والمتابعين في التحليل والبحث والدراسة فأرقامها مجملة وموزعة حسب القطاعات والأولى أن تكون مفصلة حسب أبواب الصرف الأربعة لكل جهة حكومية لها موازنة منفصلة, مع الأخذ في الاعتبار الأرقام ذات الطابع السري.
لا أعلم إن كانت وزارة المالية تعمل على تطوير طريقة إعداد وعرض الموازنة العامة هذه الأيام إلا أنني أعتقد أنها لن تتأخر في ذلك لأنه تطور طبيعي يواكب المستجدات والتطلعات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي