الدفاع عن لقمة العيش
إننا نشهد حراكا وجدلا اقتصاديا وتجاريا واستثماريا وصناعيا وخدميا، سَمِه ما شئت، ولكن تظل (لقمة العيش) هي العنوان الرئيس لحاجة المجتمع، ووتيرتها سوف ترتفع يوماً بعد يوم، إن اقتصاد بيت المواطن أصبح رئة العائلة التي يتنفس منها أفرادها.
وفي الدفاع عن (لقمة العيش) أصبح مناسبا أن نتحول من العمل الفردي إلى العمل المؤسسي، وأصبح منطقيا جداً أن نستفيد من كل الآراء ونصبها في قالب عمل مؤسسي بدلا من أن تضيع كلها في الفضاء الواسع.
والعمل المؤسسي يعني وجود مؤسسات، أياً كان سندها القانوني، سواء كانت خاصة أم شبه حكومية أو حتى حكومية، ففي تجربة العمل المؤسسي ينصهر الأفراد ويتحولون إلى (جماعة) تؤمن بأهداف واحدة، ويعملون على تحقيقها بوسائل معروفة ومحددة مسبقاً، وفي العمل المؤسسي تصبح القدرة على التعامل مع جميع الظروف والإمكانات سهلة.
ولنتخيل مثلاً أن جمعية أو لجنة توصل شكواها إلى المسؤول الحكومي أو إلى التاجر، تعبر فيها عن مشكلات أكثر من 200 شخص أو شريحة من المجتمع، أليس سهلا على ذلك المسؤول أن يستقبل ويناقش خمسة أشخاص، بدلاً من الجدال الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؟
تجربة الغرف التجارية والصناعية والجمعيات المهنية والاختصاصية، واحدة من أبرز الأمثلة على أهمية العمل المؤسسي، ويقينا أن التجربة قدمت دلائل كبيرة على أن هذه المؤسسات حتى وإن كانت شبه حكومية، يمكن أن تكون ذراع الدولة لتنفيذ كثير من الخطط والبرامج، بدلاً من الاعتماد على بيروقراطية العمل الحكومي!
إن جمعية الاقتصاد السعودية مثلا، يمكنها أن تجري بحثا من أقصى الشمال إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه، حول ارتفاع الأسعار أو المساهمات العقارية أو معوقات تجارة الذهب والمجوهرات، وكذلك دراسة أسباب ارتفاع تكلفة السكن والترفيه في مدينتي جدة والرياض، إذا تلقت دعماً حكوميا ماديا ومعنويا.
كذلك تستطيع الغرفة التجارية والصناعية في جدة أن تقدم فرص الاستثمار في خدمات أو تجارة التجزئة, والغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة يمكنها أن تكون أكبر سند وداعم لمؤسسات الطوافة، ومثلها غرفة المدينة المنورة بالنسبة لمؤسسات الأدلاء.
من ناحية أخرى، بات مطلوبا من الحكومة أن تدعم العمل المؤسسي بشكل كبير، لتزيح عن كاهلها عبء الفرد، وتصل إليها أخيرا رغبة شريحة كبيرة من المجتمع، وليس فقط من أفراد، مع الإشارة إلى أن الدعم ليس ضرورياً أن يكون مادياً، بل الأجدى أن يكون بسن القوانين والأنظمة التي تشجع على إنشاء مثل هذه المؤسسات، لتكون داعما ومساعدا ويمكن أن تنضم في مرحلة لاحقة المؤسسات المهنية والحرفية, خصوصاً إذا علمنا أن المجتمع يضم شريحة كبيرة منهم.
فالصحافيون (مثلاً) انتظروا كثيراً إنشاء جمعية الصحفيين، لكن المهندسين والأطباء سبقوهم بأشواط وبادروا باكراً من قبل وأنشأوا جمعيات, ففي جامعة الملك سعود في العاصمة الرياض توجد الجمعية السعودية للمحاسبة، الجمعية السعودية للإدارة، الجمعية الصيدلية السعودية، جمعية أطباء الأطفال السعودية، جمعية القلب السعودية، الجمعية السعودية لطب العيون، الجمعية السعودية للجهاز الهضمي، الجمعية السعودية للأذن والأنف والحنجرة، الجمعية السعودية لطب التخدير، الجمعية السعودية لطب أمراض وزراعة الكلى، الجمعية السعودية لأمراض وجراحة الجلد، الجمعية السعودية لطب وجراحة الصدر، والجمعية السعودية لجراحة العظام!
ويمكن أيضاً في المرحلة الأخيرة أن تنضم مؤسسات العمل التطوعي، باعتبارها واحدة من أوجه المجتمع المدني، فالتجارب العملية تفيد أن المجتمع السعودي وهو يسير بخطى واثقة نحو المستقبل في حاجة أكثر من أي وقت إلى هذا العمل، إذ بات أمراً ملموساً أن عمل الجمعيات التعاونية والخيرية في السعودية لا يحظى باهتمام مقارنة بدول الخليج العربي، ما يعني عملياً أننا مجتمع يفضل العمل الفردي والشكوى فقط بشكل كبير، وربما يكون مرد ذلك خبرات وتراكمات مرت على المجتمع التي جعلت ثقافته تجاه العمل التطوعي محددة وضيقة الأثر، وقد يكون سببه أن تلك الجمعيات تعاني (أزمة علاقات عامة) مع الإعلام والصحافة، فهي لم تنجح في أن تمد جسورها إلى المجتمع, وأيا يكن الأمر ففي النهاية، فنحنُ قليلو الإدراك لأهمية العمل التعاوني والخيري التطوعي.
خطط التنمية السعودية أفردت للعمل التطوعي أساسا استراتيجيا خاصا، إذ وضعت خطط التنمية في أساسها الاستراتيجي الخامس، الذي أكد الاهتمام بتطوير الخدمات التطوعية وترسيخ مفهومها وأهميتها لدى أفراد المجتمع والارتقاء بوسائلها وأساليب أدائها.
والإشارة هنا إلى أن الجمعيات الخيرية تعد نموذجاً للعمل التطوعي المنظم، فقد بلغ إجمالي عدد هذه الجمعيات في السعودية 173 جمعية، منها 20 جمعية نسائية تقدم خدماتها في شتى الميادين الاجتماعية, التعليمية, والصحية، وأيضاً في مجالات التدريب وتقديم المعونات المالية للمحتاجين، وبلغت عضوية الجمعيات الخيرية نحو 27.5 ألف عضو، منهم نحو 2505 عضوات من النساء في دولة تعداد المواطنين فيها قرابة 18 مليونا.
ختاماً أن ذلك الرقم الإجمالي السابق لعدد الجمعيات الخيرية في السعودية يعد ضئيلاً مقارنة بدولة مثل الإمارات التي يبلغ عدد الجمعيات فيها 312 جمعية، أي ضعف ما في السعودية.