خيارات الاستثمار المغيبة

[email protected]

"لا بد من الاعتراف بأن خيارات الاستثمار المتاحة أمام رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة محدودة في السوق المحلية خصوصا أن أغلب من يمتلكون تلك المدخرات هم من فئة الموظفين الذين لا يستطيعون بحكم النظام - كما هو الحال لموظفي القطاع العام ـ أو بحكم عدم توافر الوقت الكافي أو الخبرات اللازمة أن يوظفوا أموالهم في مشاريع خاصة يديرونها بأنفسهم، من هنا لا أرى غرابة أن يتجه معظمها إلى بدائل استثمارية تناسب ظروفهم وتلبي رغباتهم في تنمية مدخراتهم، فكانت البداية مع المساهمات العقارية التي تطورت لتشمل التمور، العطور، والبخور وأنواع البضائع كافة وبعد أن فشل معظمها في تحقيق طموحات المدخرين لجأوا إلى سوق المال عن طريق الاستثمار المباشر وغير المباشر حتى أضحى معظم السعوديين اليوم من ملاك المحافظ الاستثمارية.
هناك تحول مهم في الثقافة الاستثمارية للأفراد فبعد أن كانت معظم المدخرات تقبع في حسابات جارية راكدة قبل سنوات أصبحت اليوم توظف في سوق المال الذي شهد نشاطاً كبيراً وحقق أرقاما قياسية في المؤشر العام وكميات وأقيام الأسهم المتداولة، إلا أن استئثار نشاط الأسهم بمعظم أموال المستثمرين أمر غير صحي في ظروف السوق الحالية التي تتميز بكبر حجم السيولة الموظفة فيه ومحدودية الشركات المتداولة من خلاله، إذ لا يمكن اختزال اقتصاد المملكة في 77 شركة فقط تتداول أسهمها في سوق المال، كما أن استمرار هذا الأمر سينجم عنه تضخم في الأسعار ومكاسب دفترية لا تعود بفائدة محسوبة للاقتصاد الوطني".
ما سبق مقالة كتبتها بتاريخ 12 شباط (فبراير) 2006م ولم أكملها لأسباب لا أتذكرها اليوم، لكنها كانت تعبر عما يجول في الخاطر قبل انهيار سوق الأسهم الذي ألحق خسائر فادحة بفئة كانت تحلم بتنمية مدخراتها.
لا أعلم لماذا لا يبذل القائمون على النشاط الاقتصادي جهدا أكبر لتوفير فرص استثمار آمنة لكثير من الأفراد الذين يرغبون في استثمار أموالهم، على الأقل لدفع زكاتها؟ إذ لا يعقل تركهم بين المطرقة والسندان أي الفوائد البنكية المحرمة أو الأسهم وأصحاب المساهمات، فهم يتعففون عن الربا ويقعون بحسن نية في البدائل الأخرى التي ألحقت بهم خسائر فادحة.
إن موضوع بدائل الاستثمار لا يمكن الاستهانة به فهو يرتبط بعدد من الوزارات والجهات الحكومية ولا يمكن تفعيلها بشكل جيد دون تنسيق بين تلك الجهات، فعلى سبيل المثال يحتاج الأمر إلى تحديد أوقات العمل لجميع المحال التجارية كي يستطيع السعوديون منافسة العمالة الأجنبية التي تسيطر عليها وهذا من اختصاصات وزارة العمل، كما أن السماح للموظفين بمزاولة الأعمال التجارية يساعد على فتح قنوات استثمارية جديدة ومفيدة لهم وللاقتصاد الوطني وهذا من اختصاص وزارة الخدمة المدنية، أما وزارة التجارة والصناعة فينبغي أن تعد دراسات جدوى لمئات المشاريع الصغيرة وتقدمها للراغبين في الاستثمار مجانا وهكذا.
عندما يرغب أحد موظفي الدولة في استثمار مدخراته فهو يضطر للبحث عن شخص يزاول العمل التجاري باسمه وغالبا ما يكون هذا الشخص زوجته أو أخاه أو والده أو والدته أو صديقه وهذا فيه التفاف على التعليمات الرسمية التي لا تستطيع أن تمنع بتاتا هذا الأمر لكنها تحرم شريحة كبيرة تلتزم النظام من استثمار مدخراتها.
ولعلي أتساءل هنا: هل تأثرت شركات القطاع الخاص عندما سمحت لموظفيها بممارسة العمل التجاري؟ وهل تسمح شريعتنا الإسلامية بمنع الموظف الحكومي من استثمار ماله في غير وقت العمل الرسمي؟ أرجو أن ينظر للموضوع بشكل موضوعي وأن نبتعد في كل قضايانا الاقتصادية عن الافتراضات التي لا تأخذ في الحسبان طبيعة البشر، وكل عام وأنتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي