القروض الاستهلاكية في مأمن

[email protected]

تلعب القروض الشخصية دوراً مهماً في مقابلة احتياجات الأفراد الآنية. فالفرد يعتمد على مرتبه الشهري أو مجمل دخله الشهري في الإنفاق على السلع الضرورية. وعليه أن يدخر لوقت أطول في حال رغبته في شراء احتياجاته الكمالية كالسيارات والمفروشات وغيرهما. ولأن الكماليات أصبحت من ضرورات الفرد, خصوصاً في المملكة, حتى يتمكن من مزاولة مهامه في المجتمع بشكل أفضل، لينتج بشكل أكبر، وبالتالي يكون العائد على الاقتصاد أعلى، يلجأ الفرد إلى الاقتراض (اليوم) لتوفير سيارة أو تأثيث منزل في الوقت الحاضر، ومن ثم يلجأ إلى السداد مؤجلاً باقتطاع جزء من دخله الشهري. من هنا تسمى القروض تسهيلات لأنها تسهل عملية الحصول على الشيء آنياً بدلاً من الادخار والانتظار فترات طويلة ربما ترتفع فيها الأسعار ما يجعل ادخاره غير كاف لاقتناء احتياجاته. وإذا كانت الفائدة على الفرد هي في اقتنائه الاحتياجات اللازمة لممارسة حياته اليومية بشكل أفضل، فإن فوائد ذلك كبيرة على الاقتصاد, حيث يتم توظيف السيولة الموجودة في الاقتصاد وتحويلها من أصحاب الفوائض المالية إلى أصحاب الاحتياج المالي، الذين يقومون بدورهم بطلب المزيد من السلع والخدمات ومن ثم زيادة الإنتاج الوطني. ولعل التأثيرات السلبية لتوظيف تلك الفوائض هي عندما تصل القروض إلى مستويات عالية أو معدلات عالية من دخول الأفراد, ما يجعل تعثر السداد أمرا واردا. وعندما يتفاقم تعثر السداد، فإن النظام البنكي قد ينهار، مما قد يؤدي إلى انهيار الاقتصاد وتراجعه كون البنوك تلعب دور القلب النابض للاقتصاد، فهي الماكينة التي تضخ النقود من العملاء ذوي الفوائض المالية إلى العملاء ذوي الاحتياجات المالية من أجل تحريك الاقتصاد.
وتعد معظم القروض في المملكة قروضا موجهة للاستثمار (قروض إنتاجية) حيث بلغت القروض الاستثمارية في نهاية 2006 نحو 476 مليار ريال، بينما لم تتجاوز القروض الاستهلاكية 189 مليار ريال للعام نفسه. ومعظم تلك القروض الاستهلاكية غير مصنفة ـ حسب تقرير مؤسسة النقد ـ حيث وصل حجم القروض الاستهلاكية في نهاية 2006 إلى أغراض أخرى نحو 133 مليار ريال، بينما كان حجم قروض السيارات والمعدات نحو 35 مليار ريال، والبطاقات الائتمانية سبعة مليارات ريال. وفي اعتقادي أن معظم تلك القروض يتم تسييلها لاستخدامها في أشياء أخرى كبناء المنازل والترميم، والمتاجرة في سوق الأسهم وغيره عن طريق التوريق.
وهناك تزايد واضح في نمو القروض الاستهلاكية بأعلى من نمو عرض النقود في السنوات الأخيرة، لكنها مازالت في مستويات مقبولة، حيث لا تتجاوز نسبة إجمالي القروض الاستهلاكية إلى إجمالي الناتج المحلي 15 في المائة في المملكة، وهي منخفضة للغاية عند مقارنتها ببريطانيا التي تتجاوز القروض الاستهلاكية إجمالي الناتج المحلي في 2006، فقد وصل إلى أعلى من إجمالي الناتج المحلي 1.6 مرة، وفي أمريكا 1.4 مرة، وفي اليابان 1.36 مرة. وبالتالي فإن الاقتصاد السعودي (والقطاع البنكي بشكل خاص) مازال أمامه مشوار كبير لتلبية احتياجات القروض الاستهلاكية التي من المتوقع أن تتزايد مع تزايد النمو السكاني. ناهيك عن أن معايير الإقراض مازالت متحفظة للغاية، فهي لا تتجاوز ثلث مرتب الموظف، ولمدد قصيرة لا تتجاوز في معظمها أربع سنوات, إضافة إلى أن محفظة إقراض المساكن مازالت منخفضة، ويتوقع لها أن تنمو بشكل كبير في المستقبل القريب جداً مع تحسن الأنظمة والتشريعات بهذا الخصوص. مقابل ذلك، فإن البنوك المحلية تحصل على ضمانات عالية مقابل القروض الشخصية، منها تحويل الراتب إلى حساب البنك المقرض، ورهن العقار بطريقة غير مباشرة في الوقت الحاضر، ما أدى إلى بقاء نسبة تعثر السداد منخفضة جداً في المملكة حيث لا تتجاوز 3 في المائة، ما يجعل تأثيرها في مؤسسات التمويل منخفضة, وهو الأمر الذي يجنب المملكة مخاطر ائتمان حقيقية, كما هو الحال في أمريكا في الوقت الحالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي