تعثر عملاء المصارف عن السداد.. الأسباب والحلول

[email protected]

كشف التقرير السنوي (43) الصادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، أن حجم القروض الاستهلاكية وقروض البطاقات الائتمانية، قد ارتفع من نحو 24.8 مليار ريال في نهاية عام 2000، إلى نحو 180.7 مليار ريال في نهاية عام 2006، أو ما يساوي مبلغ 155.9 مليار ريال، بنسبة بلغت (600 في المائة)، ووفق ما ورد في التقرير المذكور أن السبب الرئيسي في ذلك الارتفاع الكبير في حجم القروض الاستهلاكية، يعود إلى ما وفره نظام النظام السعودي للتحويلات السريعة الذي يرمز له بنظام (سريع) من ميزة تحويل الرواتب مباشرة إلى حسابات العملاء في المصارف مما يوفر ضماناً لهذا النوع من القروض.
بالنسبة لقروض بطاقات الائتمان فقد زادت في عام 2006 بنسبة (72.6 في المائة) (3.1 مليار ريال) لتبلغ 7.3 مليار ريال، مقارنة بارتفاع أقل كانت نسبته (29.3 في المائة) (1.0 مليار ريال) عن العام السابق.
من بين العوامل أيضاً التي أسهمت بشكل كبير من توسع البنوك المحلية في منح القروض الاستهلاكية للعملاء خلال الفترة الماضية، (1) سماح البنك المركزي (ساما) للبنوك المحلية بإقراض عملائها في حدود أسقف ائتمانية مرتفعة جداً مقابل التنازل عن الراتب، (2) تسابق البنوك المحلية في تنظيم الحملات الإعلانية والدعائية الخاصة بالترويج والتسويق للقروض الشخصية، بما في ذلك بطاقات الائتمان، بأسلوب جاذب ومغر للعملاء من حيث الشروط والتسهيلات الممنوحة، مما مكنهم من استقطاب شريحة واسعة جداً وعدد كبير من العملاء، (3) توجه عدد كبير من العملاء للاقتراض من البنوك المحلية للاستثمار في سوق الأسهم السعودي، الأمر الذي يؤكد عليه، نمو حجم القروض الشخصية التي تم توجيهها لاقتناء سلع معمرة كالمساكن والسيارات والمعدات بنحو 48 مليارا أو ما يعادل نحو نسبة (26 في المائة) من إجمالي محفظة القروض الشخصية في نهاية عام 2006، بينما ما قد تم توجيهه للإنفاق إما على شراء سلع استهلاكية أو للاستثمار في سوق الأسهم، يفوق هذا الرقم بكثير أربعة أضعاف الوعي الادخاري والقدرة على التخطيط المالي لدي شريحة كبيرة من العملاء، أسهم بشكل كبير في إقبال عدد كبير منهم على الاقتراض من البنوك المحلية، سواء بمبرر أم دون مبرر، مما انعكس سلباً على تآكل ثرواتهم ومدخراتهم الشخصية، نتيجة لتوجيه معظمها لسداد أقساط القروض والإنفاق على خدمة الدين.
مؤسسة النقد العربي السعودي تنبهت لخطورة توسع البنوك المحلية في منح القروض للعملاء، وخفضت تبعاً لذلك الأسقف الائتمانية المسموح بها للإقراض إلى ما يعادل نحو 15 راتبا، مما ساعد إلى حد كبير على التخفيف من حدة تسارع نمو وتيرة القروض الشخصية من جهة، والتخفيف من حجم الالتزامات المالية على الأفراد من جهة أخرى.
نتيجة لتوسع المصارف المحلية خلال الفترة الماضية في منح القروض الشخصية للعملاء، بشكل غير مقنن وغير مدروس، نتيجة لاستناده في الماضي، وكما أسلفت على قوة نظام (سريع) وما وفره من ميزة تحويل الرواتب، واجه عدد كبير من عملاء المصارف المحلية صعوبة كبيرة في قدرتهم على الالتزام بسداد أقساط القروض الشخصية للمصارف، الأمر الذي أكدته إحصائية نشرت تفاصيلها في تقرير ورد في جريدة "المدينة" العدد (16187)، التي مفادها أن حجم الديون المتعثرة لدي القطاع المصرفي السعودي، قد تتجاوز قيمته العشرة مليارات ريال في نهاية العام الحالي (2007)، مما يعني أن نسبة التعثر في سداد المديونيات الشخصية للبنوك، قد تصل إلى نسبة 5 في المائة في حين قد بلغ عدد العملاء المتعثرين عن السداد أكثر من 200 ألف عميل، رغم أن حجم الديون المتعثرة قد بلغ عام 2004 مبلغ 1.5 مليار ريال، بينما قد بلغ عدد العملاء المتعثرين 150 ألف متعثر، مما يعني أن حجم القروض الشخصية المتعثرة قد شهد نمواً كبيراً خلال السنتين الأخيرتين بنسبة تفوق الـ 600 في المائة.
عدد من المختصين والمحللين الماليين قد أكد في التقرير المذكور، أن وصول نسبة التعثر في سداد المديونيات في البنوك المحلية إلى 5 في المائة خلال السنة الأخيرة، يعد مؤشر سلبيا جدا، يعود سببه في المقام الأول للخسائر الضخمة، التي حدثت في سوق الأسهم نتيجة للانهيار الذي تعرض له السوق، خلال شباط (فبراير) 2006، ونتيجة كذلك لطول إجراءات القضاء في السعودية المرتبطة بالتعامل مع قضايا المديونيات المتعثرة.
في رأيي أن الخروج من مأزق تعثر العملاء عن سداد القروض الشخصية للمصارف المحلية، والتقليل بقدر الإمكان من تكرار حالات التعثر، يفرض على المصارف ضرورة جدولة استحقاقات أقساط القروض الشخصية المستحقة على العملاء، بالشكل الذي يراعي ظروفهم المالية المتردية، نتيجة وكما أسلفت لتعرض معظمهم للخسائر في سوق الأسهم، كما أن الأمر يتطلب الرفع من مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع بخطورة التوسع في القروض الشخصية، بالذات في حالة عدم ربط ذلك التوسع بالقدرة المالية على السداد، آخرا وليس أخيرا فإن الأمر يتطلب في رأيي الإسراع في الترخيص لعدد كبير من شركات المعلومات الائتمانية، حيث يمكًن ذلك المصارف المحلية من تقييم القدرة الاستيعابية للعملاء المرتبطة بتحمل الالتزامات المالية Financial Capacity.
في رأيي أن مثل هذه الحلول وغيرها، سيسهم إلى حد كبير في التغلب على مشكلة تعثر عملاء المصارف عن سداد التزاماتهم للمصارف، كما أنها ستجنب القطاع المصرفي أن يكون عرضة لا سمح الله للوقوع في حالة مماثلة لأزمة الائتمان العقاري، التي تعرض إليها أخيرا القطاع المصرفي في الولايات المتحدة، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي