لماذا لا تصوم فضائياتنا أيضا..؟!!

يعن لي هذا السؤال أو التساؤل كلما سنحت لي الفرصة لمشاهدة فضائياتنا العربية في هذا الشهر الكريم شهر الصيام والعبادة، وما يدفعني إليه هو أن كثيرا مما يعرض على شاشات هذه الفضائيات من مسلسلات وبرامج لا علاقة لها برمضان لا من قريب ولا من بعيد، بل تعطي انطباعا بأنها – أي هذه الفضائيات – في واد وشهر رمضان في واد آخر، وهذه إحدى سلبيات انفتاح الفضاء الإعلامي على مصراعيه كما هو حادث الآن مع إيجابياته الكثيرة، فهذا الانفتاح أتاح بشكل خاص للإعلام المرئي العمل دون شرط الالتزام برسالة الإعلام الأخلاقية وليس الرسمية، فهذا الفضاء المشرع الأبواب لكل من يدفع حول المجال الإعلامي إلى مشروع استثماري هدفه الربح المادي وليس أداء رسالة إعلامية تنويرية وتثقيفية وحضارية، ولهذا وجدناه يكتظ بألوان وأشكال من الفضائيات عديد منها لا لون له ولا رائحة ولا طعم، وكون كثير من هذه الفضائيات افتتح كمشروع استثماري بحت فقد تسابقت هذه الفضائيات على عرض ما يجذب المشاهد إليها حتى ولو أدى الأمر إلى اللعب على الغرائز من أجل جني أكبر قدر ممكن من الأرباح المادية، ولعل الحلقة الأولى من مسلسل "طاش ما طاش" قد صوّرت واقع حال كثير من فضائيات هؤلاء المستثمرين الإعلاميين الجدد.
لا أتهم كل فضائياتنا بذلك، ولكن كثيرا منها يتخلى عن الرسالة الإعلامية المتعارف عليها بقدر أو بآخر جريا خلف المشاهد وطمعا في كسبه، وهذا اتضح جليا في شهر رمضان المبارك، فما إن اقتربت أيامه حتى انهالت علينا الفضائيات بإعلاناتها عما سوف تعرضه وتقدمه في شهر رمضان المبارك من مسلسلات وبرامج منوعة سمتها الرمضانية، إلا أنه من مشاهدة ومتابعة كثير مما عرض على شاشاتها لم نجد فيها نكهة رمضانية إن لم نقل إن كثيرا منها يتعارض مع روحانية هذا الشهر الكريم، والمستغرب فعلا أن فضائياتنا العربية لا تأتيها الهمة البرامجية والدرامية إلا في شهر رمضان مع أن لديها باقي شهور العام والتي كان يمكن لها أن توزع عليها هذه الهمة لا أن تحصرها في شهر الصيام والعبادة وحده وتزحمه بهذا الكم الكبير والمتنوع والمشوق من المسلسلات والبرامج بحيث لم يعد المشاهد قادرا على متابعتها وملاحقتها من قناة إلى أخرى إلا إذا تسمر أمام الشاشات تاركا واجباته الدينية في هذا الشهر الكريم من قراءة قرآن وصلاة تراويح وتهجد ليل.
المأخذ الأساسي على فضائياتنا هو أنها تعاملت مع شهر رمضان المبارك على أنه موسم يدر عليها ربحا ماديا كبيرا، ولهذا حصرت خططها البرامجية والدرامية كي يغلب عليها طابع التشويق والتسلية، بل والفرفشة لكسب أكبر قدر من المتابعة والمشاهدة، وكأن مشاهديها يحتاجون إلى هذه الجرعة المسلية في ليل رمضان وكأنهم يصابون بحالة اكتئاب في نهاره بسبب الصيام..!! وهذا ليس صحيحا، كما أنه يعكس قصورا لديها في القدرة على التعامل مع شهر كشهر رمضان بما يتوافق مع روحانيته، وهذا لا يعني أسلمة برامجها ومسلسلاتها بالكامل في رمضان وبشكل ديني تقليدي، كما لا يعني ذلك اعتراضا على كثير من الأعمال الدرامية وبعض من برامجها التي تقدمها في رمضان، فالحقيقة أن العديد منها تميز بالجودة والإتقان والقوة، ولكن الاعتراض هو على التوقيت، فشهر رمضان الكريم هو شهر عبادة في نهاره وليله معا، وهو شهر استثنائي بالنسبة للمسلمين، فلا يعقل ولا يقبل أن تتعامل معه فضائياتنا بهذا الاستخفاف وتغرد ببرامجها ومسلسلاتها خارج روحانيته.
هذا يضعنا أمام تساؤل حول الرسالة الإعلامية التي تضطلع بها فضائياتنا العربية وتلك المستعربة، وأظن أن من صلب هذه الرسالة في شهر كريم شهر عبادة خصه الله سبحانه وتعالى بميزات تعبدية دون سائر الشهور الأخرى هو أن تتوافق برامجها فيه مع روحانيته بقدر ملحوظ على أقل تقدير، وليس في هذا القول تنطع كما قد يراه البعض، ولكنه رأي يعبر عن رؤية ذات مضمون يرتبط بقضية الدور الإعلامي لأشد وسائل الإعلام تأثيرا في عصرنا الحالي وهو التلفاز، وليس المقصود هنا هو أن تنقلب فضائياتنا إلى قنوات دينية بحتة، بل نطالبها بأن تلامس في برامجها وأعمالها الدرامية ما يعطيها الصبغة الرمضانية فعلا، فبدلا من مسلسلات كمسلسل يعرض لسيرة شخصية معاصرة لا علاقة لها برمضان أو يعرض حياة حارة قديمة أو قصة بدوية خيالية مثلا أو برامج مقالب، لماذا لا تعرض أعمال درامية لشخصيات أو أحداث إسلامية ثرية يتوافر فيها عنصر التشويق والإثارة، وفي تاريخنا العربي والإسلامي الكثير والكثير منها؟ ولماذا لا تكون برامجها جادة وتقدم من خلال مادتها جرعات تثقيفية، بل ومشوقة دون هذا الإسفاف الذي يمكن أن يقبل ولكن في غير رمضان؟
رسالتي لفضائياتنا في هذا الشهر الكريم أن تصوم معنا شهر رمضان، وصيامها يكون من خلال التفاعل مع شهر الصوم والعبادة وتبدع لنا أعمالا درامية وبرامجية بنفس درجة التشويق والإثارة ولكن بقدر كاف من الروحانية والجدية والمتعة والتسلية في آن واحد، وكل عام وفضائياتنا بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي