صلاتا الكسوف والخسوف

إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله العظام تسيران بحكمة بالغة وإلى أجل مسمى "ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر".
وقال: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم"، وكسوف الشمس وخسوف القمر آيتان من الآيات يخوف الله عباده بهما قال تعالى "وما نرسل بالآيات إلا تخويفا" ولما كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المسجد مسرعا فزعا يجر رداءه فصلى بالناس وأخبرهم أن الكسوف آية من آيات الله يخوف الله بها عباده وأنه قد يكون سبب نزول عذاب بالناس وأمر بما يزيله فأمر بالصلاة عند حصوله والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق وغير ذلك مما يدفعه من الأعمال الصالحة حتى يكشف ما الناس. والشمس لا تزال سائرة إلى ما أريد بها حتى يطلعها الله من مغربها فهناك تسير الجبال سيرا ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. والكسوف هو ذهاب ضوء الشمس كله أو بعضه أو ذهاب ضوء القمر كله أو بعضه، والمراد بالذهاب هو انحجاب. وكسوف الشمس سببه حيلولة القمر بين الشمس وبين الأرض والقمر يقترب من الشمس في آخر الشهر ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يمكن أن تكسف الشمس إلا في التاسع والعشرين أو الثلاثين أو آخر الثامن والعشرين لأنه هو الذي يمكن أن يكون القمر قريبا من الشمس فيحول بينها وبين الأرض.
وجرم القمر أصغر من جرم الشمس بكثير وإنما يحجب عنا جرم الشمس لقرب القمر من الأرض وبعد الشمس لأن الشيئيين المختلفين في الصغر والكبر إذا قرب الصغير من الكبير يرى من أطراف الكبير أكثر ما يرى منها مع بعد الأصغر عنه وكلما بعد الأصغر عنه وازداد قربه من الناظر تناقص ما يرى من أطراف الأكثر إلى أن ينتهي إلى حد لا يرى من الأكثر شيء والحس شاهد بذلك وأما سبب خسوف القمر فهو توسط الأرض بينه وبين الشمس حتى يصير القمر ممنوعا من اكتساب النور من الشمس فالمرآة أمام المصباح يكون فيها إضاءة نورا لكن لو أطفأت المصباح أو وضعت غطاء بينه وبين المرآة أصبحت المرآة مظلمة ولهذا سمى الله القمر نورا، فقال - عز وجل -"تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا" فالسراج هو الشمس لأنها مضيئة بنفسها والقمر منير يعكس نور الشمس قال تعالى "وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا" فالقمر لا ضوء له وإنما يكتسب الضوء من الشمس.
وعلى هذا التقدير الواقعي لا يمكن أن يكسف القمر في الليلة العاشرة أو الثامنة فلا يمكن أن يكسف إلا في ليالي الأبدار أي ليلة الرابعة عشرة والخامسة عشرة لأنهما الليلتان اللتان يمكن أن تحول الأرض بينه والشمس لأنه في جهة والشمس في جهة فهو في جهة الشرق والشمس في جهة الغرب فيمكن أن تحول الأرض بينهما وحينئذ ينكسف القمر. قال تعالى: "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا أية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة".
وكما أن لكسوف الشمس وخسوف القمر سببا حسيا فلها كذلك سبب شرعي: وهو تخويف الله عباده كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته وإنما يخوف الله بهما عباده) أخرجه البخاري ولهذا أمرنا بالصلاة والدعاء والذكر وغير ذلك لأن هذه العبادات تدفع موجب الكسوف الذي جعله الله سببا لما جعله فلولا انعقاد سبب التخوف لما أمر بدفع موجبه بهذه العبادات ولله في أيام دهره أوقات يحدث فيها ما يشاء من البلاء والنعماء ويقضي من الأسباب بما يدفع موجب تلك الأسباب لمن قام به أو يقلله أو يخففه. فمن فزع إلى تلك الأسباب أو بعضها ندفع عنه الشر الذي جعل الله الكسوف سببا له أو بعضه ولهذا قل ما تسلم أطراف الأرض من الكسوف أو الخسوف حيث شاعت المنكرات وانتشر شر عظيم وظهر فساد عريض وتسلم من الكسوف الأماكن التي يظهر فيها نور النبوة والقيام بما جاءت به الرسل أو يقل فيها جدا. ولما كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فزعا مسرعا يجر رداءه فصلوات الله وسلامه على أعلم الخلق بالله وبأمره وشأنه وأنصحهم للأمة ومن دعاهم إلى ما فيه سعادتهم في معاشهم ومعادهم ونهاهم عما فيه هلاكهم في معاشهم ومعادهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي