طبول الحرب

[email protected]

إذا ما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس لمقدمي البرامج التلفزيونية في أمريكا بقولها إن على العالم أن يستعد للحرب مع إيران بسبب برنامجها النووي، فإنها ستواجه سيلاً من الانتقادات العالمية. وستكون أول هذه الانتقادات كونها داعية حرب وإن ما قالته يكشف نوايا أمريكا العدوانية تجاه إيران.
وفي الواقع، فإن كوندوليزا لم تقل أي شيء من هذا بل على العكس من ذلك فقد قال زميلها وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس يوم الأحد الماضي إن الولايات المتحدة ملتزمة باستخدام الدبلوماسية والوسائل الاقتصادية (المقاطعة) من أجل وقف إيران أن تكون قوة عسكرية نووية.
وإذا كانت الولايات المتحدة لم تقل، تلميحاً أو تصريحاً، أي شيء يُفهم منه أنها ستشن حرباً ضد إيران، فقد تطوعت بذلك فرنسا وقالته بدلاً منها. وقد أصاب وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنر العالم بالصدمة عندما قال إنه بينما تستمر المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، فإن على العالم أن يستعد للأسوأ مع إيران وهو الحرب. وفي رأي وزير الخارجية الفرنسي فإن الإيرانيين وليس الأمريكان هم المسؤولون عن الضجة المثارة حول البرنامج النووي ويجب إجبارهم بالقوة على التخلي عن طموحاتهم النووية.
وقال كوشنر ـ لا فقد قوة ـ إن إيران، إذا امتلكت القوة النووية فإنها ستشكل خطراً على العالم. وفي الوقت نفسه يدعو فيه وزير الخارجية الفرنسي العالم للاستعداد لأسوأ الاحتمالات، فإنه يطالب بفرض عقوبات أشد على إيران بموافقة الأمم المتحدة أو بعدمها.
ولم يوضح وزير الخارجية الفرنسي، كما لم يشرح الأمريكان كذلك، لماذا تشكل إيران خطراً على العالم إذا امتلكت القوة النووية وتهدد السلام الدولي؟ لماذا لا يجيء هذا الخطر المحدق من إسرائيل وهي فعلاً تمتلك القوة النووية؟ ولماذا لا يكون هذا الخطر من بلاده فرنسا نفسها؟ وفرنسا التي تمتلك القوة النووية قد شكلت خطراً على السلام العالمي بغزوها واستعمارها لكثير من الدول.
هل تخشى فرنسا، وغيرها من الدول الغربية، إنه إذا امتلكت الدول الضعيفة القوة النووية فإن فرنسا وغيرها من الدول لن تستطيع إخضاعها واحتلالها بالقوة؟
وتجيء هذه التهديدات المبطنة والظاهرة ضد إيران في الوقت الذي يقول فيه رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية الدكتور محمد البرادعي إنه يجب عدم استخدام القوة بسبب أزمة الطاقة النووية الإيرانية رافضاً أي حديث عن استخدام القوة بأنه غير مناسب.
وكان البرادعي يتحدث عن كل العالم عندما قال، وهو يتذكر مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء في العراق الذين فقدوا أرواحهم نتيجة الاعتقاد الخاطئ بوجود أسلحة دمار شامل في بلادهم، إن اللجوء إلى خيار القوة لا يكون إلاًَ بعد استنفاد كل الوسائل الأخرى وإننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة أو حتى نقترب منها.
لكن يبدو أن وزير الخارجية الفرنسي يعتقد أن العالم قد اقترب من خيار القوة في تعامله مع إيران مما يجعلنا نتساءل هل يجري التخطيط للحرب مهما فعلت إيران؟

ولم تسكت إيران على مواقف وزير الخارجية الفرنسي وصبت عليه جام غضبها، وقالت عنه إنه ربيب الرئيس الأمريكي جورج بوش. وكوشنر من الفرنسيين القلائل الذين لم يدينوا الغزو الأمريكي للعراق في وقته بينما تصدرت مواقف زملائه المناوئة للأمريكان العناوين الرئيسية للصحف في الاستقبال.
ومن الصعب، دون وجود دليل ملموس، تصديق ما تقوله إيران إن الحكومة الفرنسية الجديدة هي المنفذ لإدارة البيت الأبيض الأمريكي!! لكن من الواضح أن أمريكا وفرنسا لهما الفكرة نفسها عن ترويض الشرق الأوسط!! ولهذا السبب فإننا يجب أن نتعامل بجدية مع قول كوشنر أن احتمال الحرب ضد إيران ليست احتمالاً مستبعداً.
ومن المهم للشرق الأوسط وللعالم بأسره ألاَ تنشب حرب أخرى في المنطقة وألاَ تطبق عقوبات أشد على إيران، كما قالت دول مجلس التعاون الخليج. وإننا دائماً نسعى إلى السلام ولا بديل للسلام في منطقتنا. ومن المهم أيضاَ أن نعطي الفرصة للمزيد من المعالجات الدبلوماسية وأن نترك هذا الموضوع لوكالة الطاقة الذرية.
إن قرع طبول الحرب وخلق أجواء من التوتر لا يقل شأناً عن إعلان الحرب على الحضارة والمدنية، وبمناسبة هذا الشهر الفضيل أدعو الله المولى القدير أن يحمي منطقتنا من كل مكروه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي