الأنماط الاستهلاكية المثلى في شهر رمضان
توقعت دراسات اقتصادية نشرت تفاصيلها في جريدة "الرياض" في العدد 14330، أن حجم الحركة التجارية في أسواق السعودية خلال شهر رمضان المبارك لهذا العام 2007، بلغ نحو 60 مليار ريال وسط مؤشرات تشير بزيادة أكثر من 30 في المائة من إجمالي الحركة التجارية عن باقي أشهر السنة.
كما قدرت الدراسات نفسها أن حجم إنفاق الفرد خلال شهر رمضان يبلغ نحو ألف ريال، أما بالنسبة لمتوسط حجم إنفاق الأسرة فيبلغ نحو6500 ريال، ويشهد شهر رمضان نموا في الحركة التجارية في قطاعات عديدة، تأتي في مقدمتها وعلى رأسها المواد الغذائية والإلكترونيات والأثاث والكماليات وكذلك العيادات الطبية، وذلك بسبب الظروف الصحية التي تواجه بعض الصائمين خلال هذا الشهر.
فهد بن محمد الفريان العضو المنتدب لشركة المنتجات الغذائية، أوضح للجريدة نفسها، أن سوق المواد الغذائية، التي تبني على عادات المجتمع السعودي في شهر رمضان المبارك، تستحوذ على الحصة الأكبر في هذا الشهر طبقاً لعادات المجتمع السعودي، التي تسهم بشكل كبير من الرفع من حجم المشتريات الاستهلاكية في هذا الشهر الفضيل، بهدف تنويع مائدتي الإفطار والسحور طوال الشهر، مؤكدا في هذا الخصوص أن الزيادة في الاستهلاك خلال شهر رمضان ربما تصل إلى نحو 45 في المائة، نتيجة حرص المواطن والمقيم على تنويع المائدة، مضيفاً بذلك أن حجم سوق القطاع الغذائي في المملكة يصل إلى نحو 55 مليار ريال سنوياً.
هناك إحصائيات أخرى مماثلة تشير إلى أن حجم استهلاك أفراد المجتمع السعودي في شهر رمضان يمثل نحو 20 في المائة من إجمالي استهلاك العام، وأن ما يستهلكه السعوديون من سلع ومواد يساوي استهلاك بلد يبلغ عدد سكانه 100 مليون نسمة، وأن المملكة العربية السعودية، تعد من بين أكبر الدول الاستهلاكية على مستوى العالم، وأنها تعد المستهلك الثاني الأكبر بعد الولايات المتحدة الأمريكية للدجاج على مستوى العالم.
جميع هذه الإحصائيات المفزعة والمقلقة والمربكة والمخجلة ـ في رأيي ـ في الوقت نفسه، تدلل بوضوح تام على السلوك الاستهلاكي الجائر والزائد على الحاجة وغير المبرر في معظم الأحيان، الذي يتمتع المستهلك السعودي لما أنعم الله به على هذه البلاد من نعم كبيرة، تكاد لا تعد ولا تحصى، ولا سيما حين النظر والأخذ في الاعتبار ما يتسبب فيه مثل هذا السلوك الخاطئ من أضرار جسيمة وسلبيات عديدة على ميزانية الأسرة اليومية وعلى دخلها الشهري كذلك، بل إن الأمر قد يتعدى ذلك بكثير، نتيجة لإلحاق الضرر بالصحة والبدن، التي ربما لا تحمد عقباها ونتائجها.
من بين السلوكيات الخاطئة الشائعة كذلك بين أفراد المجتمع السعودي, وللأسف الشديد, في شهر رمضان المبارك، التراخي والتقاعس عن أداء الأعمال الوظيفية، الأمر الذي يتسبب في تعطيل شؤون وأحوال الناس وقدرتهم على إنجازهم أعمالهم واحتياجاتهم بالشكل المنشود وبالسرعة المطلوبة. وأكدت على هذا العواقب السيئة لمثل هذا السلوك الخاطئ الكاتبة عالية عبد المجيد باناجة، بمقال نشر لها في جريدة "الاقتصادية" في العدد 5085 بعنوان "هل للعمل آداب رمضانية؟"، حينما أشارت إلى أنه عادة ما يطغى على كثير من الأفراد عدم القدرة على العطاء والالتزام بالتعاليم الدينية والعملية في آن واحد، وكأن أداء التعاليم الدينية تنهكهم وتسحب من قواهم، التي يحتاجون إليها لإنجاز أعمالهم، الأمر الذي قد يتسبب في توقف أو بالأحرى في شل حركة المجتمع عن العمل والإنتاجية تماماً، على الرغم من أن ما سطره التاريخ الإسلامي عن تصرفات وسلوكيات المسلمين في شهر رمضان الكريم، يختلف عن ذلك تماماً، حيث كانوا يقومون الليل ويعملون في النهار وكانوا أشداء أقوياء لديهم القدرة على الجهاد والعطاء، وكانوا يعطون كل ذي حق حقه، وفقما حثهم وأمرهم بذلك سيد الخلق رسول الله محمد, صلى الله عليه وسلم. ولعل ما يؤكد ذلك اشتهار الكثير من غزوات المسلمين في شهر رمضان وتحقيقهم العديد من الانتصارات، التي لعل من أبرزها وأهمها، على سبيل المثال لا الحصر غزوة بدر الشهيرة، التي حدثت في 17 رمضان في السنة الثانية للهجرة.
في رأيي أن مثل هذه السلوكيات الرمضانية الخاطئة، التي وللأسف الشديد، وكما أسلفت, تمارس من قبل معظم أفراد المجتمع السعودي، ستحلق الضرر آجلاً أم عاجلاً بمقدرات ومكتسبات الاقتصاد السعودي بشكل عام، وباقتصاد الفرد وميزانية الأسرة ومدخراتها بشكل خاص، ولاسيما أن ما يتم إنفاقه من أموال طائلة على السلع الاستهلاكية، وبالذات السلع الغذائية ينتهي مصير الجزء الأكبر والأعظم منه إلى صناديق النفايات، الأمر الذي تؤكده إحصائية أشارت إلى أن عقود النظافة الخاصة بمدينة جدة فقط تكلف الخزانة العامة للدولة نحو مليار إلا ربعا من الريالات، أضف إلى ذلك ما قد تتسبب فيه هذه النفايات من انتشار العديد من الأمراض البيئية والوبائية، التي قد تفتك وتضر بالصحة والبيئة معاً.
في رأيي, للخروج من مأزق الاستهلاك الجائر في شهر رمضان، فإن الأمر يتطلب تكثيف الحملات التوعوية للمواطنين والمقيمين بأضرار مثل هذا الإسراف، ومن هذا المنطلق أرى أن المسؤولية تقع في هذا الأمر بالمقام الأول على أئمة وخطباء المساجد بتركيز خطبهم تجاه التوعية بهذا الموضوع المهم، ومن ثم, في رأيي, تقع المسؤولية في المقام الثاني على مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك على وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية منها، كما أن للأسرة دورا كبيرا في التوعية، باعتبارها الخلية الأساسية المسؤولة في المقام الأول عن تصرفات المجتمع الكبير، وفي رأيي أيضاً لتفادي مثل هذه السلبيات والتصرفات الخاطئة في شهر رمضان المبارك، لا بد أن يستغل أفراد المجتمع شهر رمضان للأسباب التي أوجب الله سبحانه وتعالى علينا صيامه وقيامه، التي لعل من بين أهمها وأبرزها على سبيل المثال لا الحصر، أن يستغل الشهر في التواصل والتماسك والتراحم والتآلف بين أفراد المجتمع، وفي تفريج الكربات وإعانة المحتاجين، وفي الإحسان إلى الجيران والأقارب والأصدقاء، وكذلك في غرس الإيمان في الأفئدة والتقوى، بمعنى آخر شهر رمضان يجب أن يكون شهر عبادة واحتساب، لا شهر إسراف واستهلاك جائر غير مبرر يلحق الضرر بالاقتصاد وبالعباد وبالبلاد، والله من وراء القصد.