دبي .. مثال أم عبرة؟!
لم أكن في يوم من الأيام ألقي بالاً لما كان يردده بعض المنظرين وأصحاب الرؤى الاقتصادية حول حقيقة الاقتصاد في دبي، وذلك لإيماني بعظم التجربة ونجاحها حتى جاءت الأزمة المالية التي عصفت بأكبر اقتصاد عالمي وهو الاقتصاد الأمريكي والتي لم تستثن اقتصاداً متقدماً أو ناشئاً إلا طاله شيء من تبعاتها. لقد كان الكثير يرى أن التوسع الاقتصادي في دبي وتنويع مصادر الدخل فيها والانفتاح العالمي لاقتصادها وتحرير غالب القطاعات بشكل لم تعتد على مثله المنطقة كلها شيء مصطنع سرعان ما سينهار، وذلك من منطلق عدم وجود قاعدة صلبة لهذا النمو، وأن نتائج هذا التسارع في النمو والتقدم الحضاري والاقتصادي سيجنيها الاقتصاد في إمارة دبي بشكل سلبي. ولقد استمرت هذه النظرة بين مصدق ومكذب لها وصارت مثار جدل مستمر بينما اقتصاد دبي يزداد وينمو ويتوسع ويتعولم، في حين أن الآخرين إما يحاكون بعضا من هذه الأعمال التوسعية وهذا النهج ولربما على استحياء وإما يقفون موقف المتفرج بانتظار شيء ما سيحدث لقناعتهم بأفكارهم أن الانهيار قادم، وأن اقتصاد دبي ما هو إلا قفزات في الهواء غير محسوبة.
ومع وقوع أكبر أزمة مالية منظورة في التاريخ الحديث، يقف اقتصاد دبي في وجه هذه الأزمة ويتأثر شأنه شأن أي اقتصاد، ولكن بدرجة ربما أكبر ليس لأن التوسع والنمو في اقتصادها، والذي جاء نتيجة تراكمية لكثير من الأعمال الناجحة، قد بني على أساس غير اقتصادي، لكن في الأصل كان اقتصاد دبي وما زال محورا مهما وكان لاعباً رئيساً في مباراة التنافسية العالمية المتقدمة فالآخرون كانوا إلى حد كبير يقفون موقف المتفرج على تلك المباراة .
إن ما حصلت عليه دبي خلال العقدين الماضيين على الأقل من تقدم في اقتصادها هو حالة اقتصادية فريدة يجب أن ينظر إليها بكل إكبار حتى وإن طالها أثر أكبر من غيرها في المنطقة نظير ما أثارته الأزمة المالية. فالتاجر الذي يخسر جزءاً كبيراً من أرباحه لا يعد في دائرة الإفلاس والانهيار أو تسمية قراراته الاستثمارية بالارتجالية، فنتائج الأعمال طبيعيا إما ربح وإما خسارة. وقد جنت دبي كثيرا من الأرباح التي تؤهلها لتحمل تبعات بعض الخسائر، والتي أدرك أنها ستخرج منها وذلك شأنها شأن الاقتصادات العالمية المتقدمة ككل وليست فقط دبي التي تأثرت، بل أعظم اقتصادات العالم مثل الاقتصاد الأمريكي أو الأوروبي أو الياباني قد اهتزت أركانه.
إن النجاح في دبي هو مضرب مثل وليس عبرة والتغير في النهج الاقتصادي والتمنهج بالحداثة في الأعمال وتوسيع قواعد المداخيل للاقتصاد ورفع كفاءته والانفتاح اقتصاديا في تحرير القطاعات هو مطلب للتنافسية فليس ثمة اقتصاد لا يوجد فيه عيوب بل إن العيوب تكمن في تطبيق (هذا ما وجدنا عليه آباءنا) والاستمرار دون تغيير جوهري.