التعاونيات والدور المفقود!
جميل أن يفتح معالي وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين ملف الجمعيات التعاونية الذي ظل مغلقا طوال أكثر من أربعة عقود، حيث بقيت هذه المؤسسات بمنأى عن التداول العام وكأنها خارج الخدمة، والأجمل أن يأتي قرار معاليه بتصفية 10 في المائة من هذه الجمعيات المتعثرة .. رغم أن الجميع كان يتمنى أن تكون التصفية إجبارية وليست اختيارية، كما جاء في نص القرار، وذلك بناء على الموقف المالي لكل جمعية، ونسبة التعثر في خدماتها، وإجراءاتها المحاسبية.
لدينا أكثر من 160 جمعية تعاونية، بعضها بدأ نشاطه بمخبز فقط، والبعض الآخر بدأ ببعض الخدمات الزراعية، وكلها تمّ الترخيص لها تحت عنوان (متعددة الأغراض)، لكنها لا تكاد ترى إلا فيما ندر، نظرا لافتقار كثير منها إلى الآلية التجارية التي ترتقي بأدائها إلى المستوى المطلوب .. حتى أن من بينها من لا تتوافر لديها سجلات للمساهمين، الأمر الذي جعلها تختفي عن الحياة التجارية إلا من خلال لوحة تستعيد ذكرى حضورها كطيف عابر.
وعلى الرغم من نجاح فكرة الجمعيات التعاونية في بعض الدول ـ الكويت نموذجا ـ وإسهاماتها في إقامة بنيان تجاري تعاوني لصغار المساهمين .. إلا أن هذا لم يغر جمعياتنا التي بقيت على هامش النشاط التجاري الفاعل، ولم تستطع الصمود إلا من خلال ملكياتها لبعض العقارات التي حافظت على بقائها ككيانات اعتبارية.
وزارة الشؤون الاجتماعية يبدو أنها وضعت يدها على جرح هذه الجمعيات، حينما قررت إقامة ملتقى لها برعاية خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في الفترة من 29/5/1430هـ وحتى 2/6/1430هـ، لبحث أوضاعها كمؤسسات إنمائية وربحية يجب أن يكون حضورها بموازاة الدور الذي أسست من أجله، وهذا لن يتأتى بالتأكيد إلا من خلال إعادة صياغة أنظمتها المالية، وهيكلة برامجها، وتطوير مجالس إداراتها ودعمها بالخبرات المحاسبية والإدارية القادرة على انتشالها من عثراتها.
ونظرا إلى أنه لا مكان اليوم للمؤسسات الاقتصادية الصغيرة، التي ستغرق حتما في دوامة الأسواق المالية الكبيرة، في وقت تتجه فيه معظم المؤسسات والشركات إلى الاندماج والتكتل .. فإننا كنا ولا نزال نتمنى على وزارة الشؤون الاجتماعية أن تبحث في هذا الملتقى فكرة دمج كل هذه المؤسسات، بعد تصفية المتعثر منها تحت كيان مركزي واحد تمتد فروعه إلى مختلف المناطق، وتتكامل أنشطته فيما بينها، بحيث يكون لكل فرع نشاطه الخاص الذي يتناسب مع فضائه التجاري ومحيطه الاجتماعي العام، بما يكفل حيوية نشاطاتها، ويدفع بها مجددا إلى الواجهة .. لتؤدي دورها كما ينبغي، ولا نعتقد أن مثل هذه الفكرة ستغيب عن أذهان المسؤولين في الوزارة وهم الذين يتابعون بالتأكيد تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتوجهاتها الواضحة باتجاه تحقيق مزيد من الاندماجات، لبناء قوى تجارية واقتصادية قادرة على مواجهة أي طارئ .. لكن المسألة قد تحتاج في بداية الأمر إلى إعادة بناء جسور الثقة مع المواطن الذي نسي أو كاد .. دور هذه الجمعيات التي ظلت غائبة عن المشهد التجاري العام طيلة السنوات الماضية، وهي مهمة قد تكون شاقة لكنها حتما ليست عسيرة، في ظل بحث صغار المساهمين عن أوعية مالية مضمونة يُمكنهم الاستثمار فيها.
فهل تعيدنا الجمعيات التعاونية بعد كل هذا الغياب إلى نظام شراكة قادر على إعادة نظم حبات المسبحة التعاونية التي انفرطت منذ زمن؟