هل تراجع وهج الرواية !!

معظم الروايات التي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية وحظيت بدعاية إعلامية مبالغ فيها سواء من حيث الحديث عن تميزها أو عن منع توزيعها، أو الحديث عن نفاد نسخها في أول يوم من أيام معرض الكتاب، تميزت بأنها روايات وحيدة لأصحابها الذين لم يُعرفوا ككتاب رواية أو قصة، بل البعض منهم ومنهن تُعد هذه الرواية هي الأولى والأخيرة، وكأن الهدف هو حمل صفة روائي وروائية فحسب.
ومن يتابع الصفحات الثقافية في صحفنا المحلية هذه الأيام يلاحظ أن هناك تحولاً في الحديث عن الروايات السعودية، فبعد أن كان الحديث عنها حديثاً احتفاليا تُحشد فيه عبارات التبجيل والثناء، خفت حدة الثناء وتحولت إلى ما يشبه الدفاع عن هذه الروايات، وتبرير أسباب تناول كتابها موضوعات شاذة تسيء إلى المجتمع.
ومن خلال الطرح المكثف عن هذه الروايات برزت عدة وجهات نظر ينبغي ألا تغيب خلف تلك الإشادات أو التبريرات الكثيرة التي تنطلق من معرفة أصحابها بالكاتب أو الكاتبة لا عن قناعة بالرواية .
ومن بين هذه الآراء رأي للدكتور سلطان القحطاني الذي قال في معرض حديثه عن إحدى هذه الروايات: "لم تقدم جديداً للرواية العربية على وجه العموم والسعودية على وجه الخصوص، وهي سرد مكشوف يفتقد التقنية الفنية، ولا يمثل ثقافة مجتمعية، كل ما قدم صورة للذكريات التي مر بها الكاتب أو رويت له، ولم تعالج بلغة روائية تعكس ثقافة المجتمع بحسناته وسيئاته".
وأضاف الدكتور القحطاني: "لا أعتقد أن هذا النمط من السرد قدم أو سيقدم فناً، وهذه الحكايات مدفوعة الثمن للناشرين، تهافت الناس على شرائها ليروا ما يمكن أن يقال عن مجتمع كان يصور على أنه طاهر 100 في المائة، وهذا وهم مارسه الطرفان، فلو أن الحقائق جاءت كما ينبغي لما حصل مثل هذا الطوفان من الحكايات التي تخلو من عناصر الفن الروائي، الذي أصبح ثقافة وليس تهريجاً لشغل من لا شغل له "(جريدة الشرق الأوسط 20/4/1430هـ).
أما عما ينشر من أخبار عن الإقبال على اقتناء هذه الروايات ونفاد نسخها، فللناقد محمد العباس رأي قال فيه: "للأسف لا توجد مراكز رصد لحركة المنجز الثقافي ولو في حدها الأدنى، وبالتالي يصعب تصديق كل ما ينشر من مبالغات حول مسألة الرقابة والمنع ونفاد الكميات المعروضة".
ووصف محمد العباس ما نشر بهذا الخصوص قائلاً "يشتم منها رائحة التباهي والترويج المجاني والادعاء ويصعب الركون إلى صدقيتها بالنظر إلى وجود مصلحة مشتركة يتواطأ عليها بعض الروائيين والناشرين والإعلاميين المستلحقين بهذا الروائي أو ذاك" (جريدة الرياض 13/4/1430هـ).
أما الدكتور علي الموسى فقد كتب مقالا في صحيفة "الوطن" عبر فيه عن رؤيته لهذه الروايات حيث قال: "صورة المجمع السعودي في هذه الروايات الصاعدة صورة قاتمة صاعقة، وحتى مع الإيمان الفطري الطبيعي باختلاف النسق في التركيب الاجتماعي، فلسنا مجتمعاً من الملائكة، ولكننا في المقابل أيضاً لسنا حفنة من الشاذين والمنافقين، أو قطعة من بقايا إبليس كما هي بعض الصورة في بعض ما حملته بالخطأ إلى بيتي وأولادي، ثم اكتشفت نهاية المساء أنني لا بد أن أجد مبرراً منطقياً كي أسحب من أيديهم بعض هذه الأعمال التي كانت أقرب لأفلام الجنس والصور الخليعة منها إلى عمل روائي يحاول سبر أغوار المجتمع وتحويره تحليلاً في قالب إبداعي" (جريدة الوطن 18/3/1430هـ).
إن هذه الآراء عما حفلت به بعض الروايات السعودية لم تأت ممن لهم مواقف مسبقة من العمل الإبداعي أو الفني، وإنما من متخصصين في النقد الأدبي ومتابعين لما يجري في الساحة الثقافية، وتعكس وجهة نظر كثير من متابعي الساحة الثقافية.
أما عن مبيعات الروايات ومدى الإقبال على اقتنائها في معارض الكتب فلعل من المناسب لو تبنت الجهة المشرفة على معرض الكتاب رصد أكثر عشرة كتب مبيعاً خلال المعرض في مختلف المجالات، فقد يكشف لنا ذلك أسماء كتب لم تحظ بدعاية أو بتسويق وإنما كان المحتوى هو الدافع للإقبال عليها.
***

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي