سوق بيع البشر.. تطورات مذهلة ومزرية!
إن التطورات التي تحدث في سوق الاتجار بالبشر والتي أصبحت تنشر الرعب في كل مكان من العالم.. يجب أن تسترعي اهتمام جمعية حقوق الإنسان السعودية وجميع الجهات الأمنية، فالتطورات المقلقة التي انتشرت في العالم بلغت حدود المملكة وظهرت حالات متعددة ومتزايدة عن مظاهر مختلفة للاتجار بالبشر داخل المدن السعودية سواء في شكلها الجنسي أو البدني أو الاقتصادي، وقامت بعض الصحف السعودية مشكورة بنشر أخبار وتقارير متفرقة هنا وهناك عن تطورات مقززة حدثت في مجال الاتجار بالبشر.
ولعل أهم الشواهد التي نشاهدها صباح مساء هو هذا الكم الهائل من الشباب والشابات المعوقين والمعوقات الذين يختطفون من إفريقيا ويستقدمون إلى المملكة، ثم يوزعون عند تقاطعات الشوارع الرئيسة وتحت أعمدة إشارات المرور، حيث إذا أضيئت إشارات المرور الحمراء يزحفون إلى الجالسين على مقود السيارات ويطلبون منهم أو من مرافقيهم المساعدة والصدقة.
والكارثة الأكبر أن الاتجار بالبشر وصل حتى الأطفال السعوديين حديثي الولادة الذين يختطفون من المستشفيات أو يباعون ويشترون في سوق بالغ السرية، ولكن السرية لم تعد مطلقة فبدأ العلن يطفو على السطح وتصبح حوادثه كثيرة ومقلقة، وإنني بهذه المناسبة أقول إن ما تقوم به منظمات الضلال للتغرير بأولادنا وحملهم على القيام بعمليات إرهابية في الداخل أو الخارج إنما هو نوع من أنواع الاتجار بالبشر لتحقيق أهداف غير إنسانية.
ومما لا شك فيه أن العالم شهد في السنوات الأخيرة توسعاً هائلاً في قيام مزيد من المنظمات التي تتعامل في جرائم تهريب البشر والاتجار بالأفراد، والسبب يكمن في ارتفاع أسعار صفقات المتاجرة بالبشر، وانخفاض المخاطر المحتملة، مع انفتاح الأسواق العالمية وانتشار ظاهرة العولمة في مجال الاتجار بالبشر، فالعولمة مثلما أزالت الحدود ويَسّرت المتاجرة في السلع والخدمات بين الدول، فإنها َيسّرت أيضاً المتاجرة بالبشر لأغراض الاستغلال غير الإنساني.
والأبجح من هذا أن جريمة الاتجار بالبشر اقترنت بسلسلة من الجرائم متفاوتة الدرجات مثل التعذيب، والمتاجرة بالأعضاء، والاغتصاب، والاعتداء الجنسي والبدني، والضرب المبرح، والقتل، ودفع الأطفال للانحراف، وتأجير الأرحام قسراً، وغير ذلك من أشكال وألوان التعريض بكرامة الإنسان.
وباستعراض قائمة الجرائم المنبثقة عن جريمة الاتجار بالبشر.. ندرك أن كل المجتمعات الإنسانية في كل أنحاء العالم باتت تعاني من هذه الجرائم، ولكن بأشكال متفاوتة، فهناك دول تعاني من تفشي الاتجار بالبشر بغرض الاستغلال الجنسي، وأخرى بغرض استغلال العمالة الوافدة في ممارسة الرذائل والجرائم، وغيرها تعاني من المتاجرة بالأعضاء، بينما هناك من يعاني من الاتجار بالأطفال واستغلالهم لجميع الأغراض التجارية والجنسية.
وهناك دول تنتشر فيها ظاهرة الاتجار بالبشر بهدف زيادة عدد السكان لأغراض سياسية مثل إسرائيل التي اشترت الفلاشا بملايين الدولارات واشترت يهود الاتحاد السوفياتي السابق بغرض إعمالهم في الأشغال الوضيعة، وكذلك تحقيق هدف زيادة عدد السكان لتواجه المشكلة الديمجرافية مع أصحاب الأرض الأصليين من الفلسطينيين المناضلين، ولذلك تعد إسرائيل من الدول العريقة في مجال الاسترقاق والاتجار بالبشر.
وإذا كنت أطالب الجهات الأمنية وجمعية حقوق الإنسان السعودية بضرورة رفع وتيرة الاهتمام بظاهرة الاتجار بالبشر في المملكة، فإنني أشيد بما قامت به أخيرا كلية التدريب في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، حيث أقامت الكلية مشكورة في العاشر من كانون الثاني (يناير) 2009 برنامجاً تدريبياً تحت عنوان "مكافحة الاتجار بالبشر، ولقد استفاد من البرنامج 46 متخصصاً من القضاة والمحققين في وزارة العدل وهيئة التحقيق والادعاء العام في المملكة.
ولم يكن هذا هو أول ولن يكون آخر البرامج التي تهتم بها جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، فالجامعة تقوم بدور كبير وإيجابي على صعيد المسائل الأمنية في كل أنحاء الوطن العربي، ولكنها أعطت اهتماما كبيراً ومشكوراً لمكافحة الاتجار بالبشر في الآونة الأخيرة، والسبب أن قضية الاتجار بالبشر وضعت نفسها حالياً في المكان الثالث في سجل التجارة العالمية الكبرى بعد تجارة السلاح، وتجارة المخدرات، وهنا اسمحوا لي أن أكرر وأقول إن الاتجار بالبشر أصبح ـ من حيث الضخامة ـ يحتل المركز الثالث في سجل التجارة العالمية بعد تجارة السلاح وتجارة المخدرات.
ولقد قدرت بعض المنظمات غير الحكومية في عام 1990 أن هناك نحو 27 مليون شخص يعيشون في حالة استرقاق، وفي عام 2003 قدرت منظمة العمل الدولية أن هناك 1.2 مليون طفل في العالم تتم المتاجرة بهم سنوياً، وذكر تقرير الخارجية الأمريكية أن نحو 800 إلى 900 ألف شخص تتم المتاجرة بهم سنوياً، ويسجل على الرئيس بوش أنه قال إن أمريكا يدخلها سنوياً 18 إلى 20 ألف ضحية اتجار.
ورغم جبروت الولايات المتحدة إّلا أنها لم تستطع أن توقف زحف جرائم الاتجار بالبشر التي استهدفت أراضيها مما يستدعي جهوداً عالمية منظمة ومشاركة فاعلة من قبل جميع المنظمات الأمنية والإنسانية، ولا سيما إن هذه الأرقام لا تشمل ضحايا الاتجار الداخلي التي تتم في إطار الجرائم التي ذكرتها آنفاَ، ونذكر على سبيل المثال أن نحو 40 ألف طفل يتم بيعهم وشراؤهم سنوياً في مجال الخدمة المنزلية أو في الحقول الزراعية، وأن نحو 100 ألف امرأة وطفل يتم استغلالهم جنسياً، وفي الصين يتم خطف النساء وبيعهن كزوجات أو الاتجار بهن في أنواع كثيرة من الأعمال التجارية والصناعية، وتشير آخر تقديرات منظمة العمل الدولية التي نشرتها في عام 2005 أن ضحايا الاتجار في مجال العمل الجبري يبلغون نحو 2.4 مليون ضحية، منهم نحو 260 ألفا في منطقة الشرق الأوسط.
أي أن منطقة الشرق الأوسط من المناطق التي تنتشر فيها عمليات الاتجار بالبشر بشكل مقلق، والأخطر أن المعدلات تتزايد بشكل مخيف، وأن المافيا التي تتعامل في هذا النوع المزري من التجارة بدأوا يوسّعون أعمالهم وينتشرون في كل مكان من العالم. ولذلك يجب أن يتسع دورنا مع المجتمع الدولي لمحاربة هذه الجرائم النكراء التي تتعارض مع قواعد ديننا الإسلامي الحنيف ومع قواعد جميع الأديان السماوية الغراء.