المواطن خط الدفاع الأول ضد الجرائم الاقتصادية

أطلقت الغرفة التجارية الصناعية في الرياض أخيراً، عدداً من ورش العمل والبرامج التدريبية لرجال ولسيدات الأعمال العاملين في القطاع الخاص، حول طرق وأساليب مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب تحت عنوان (اعرف عميلك).
الأستاذ عبد الرحمن الجريسي رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، صرح بأن تدشين غرفة الرياض لمثل هذه البرامج التدريبية وورش العمل، يأتي انطلاقا من الدور الريادي للغرفة الذي تلعبه، في مجال توعية أجهزة القطاع الخاص بأساليب وبطرق مكافحة عمليات غسل الأموال المختلفة، بما في ذلك مكافحة عمليات تمويل الإرهاب، ولاسيما أن عمليات غسل الأموال أصبحت خلال السنوات الماضية، تشكل ظاهرة واسعة الانتشار، وتتضمن أساليب معقدة جداً، تستهدف اختراق النظام المالي والمصرفي، مما يترتب عليه عديد من الآثار السلبية في المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدولة، الأمر الذي يستدعي تعريف وتثقيف موظفي أجهزة القطاع الخاص المختلفة بماهية عمليات غسل الأموال وكل ما يتعلق بها من أنشطة.
تجدر الإشارة إلى أن الغرفة في إطار سعيها الدؤوب للتوعية بمكافحة الجرائم الاقتصادية المختلفة، التي من بينها غسل الأموال وتمويل عمليات الإرهاب، قد قامت في الماضي، بإعداد دراسة، كشفت نتائجها عن ضرورة وضع استراتيجية عربية وخليجية شاملة لمواجهة ظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما أوصت الدراسة، بإنشاء جهاز متخصص بالغرف التجارية الصناعية في المملكة، يتولى مهمة التعريف بظاهرة غسل الأموال، بما في ذلك تحذير منسوبيها من مخاطرها وأساليبها وعصاباتها المتواجدة من حولنا بالدول المجاورة.
كما أوصت الدراسة بضرورة زيادة اهتمام الأجهزة التنفيذية والأمنية المعنية بمكافحة غسل الأموال، بتفعيل أساليب الوقاية من مخاطرها الإجرامية، كما طالبت بتفعيل دور الغرف التجارية الصناعية في ذلك الأمر، من خلال إيجاد شبكة معلومات تجارية مرتبطة بالغرف التجارية في دول العالم تتضمن أسماء التجار والمؤسسات المالية والتجارية والشركات الأجنبية المختلفة، بحيث يمكن من خلال هذه الشبكة الحصول على أي معلومات حول وضع أي تاجر أو مؤسسة مالية أو تجارية، ومصداقية التعامل معهم، وأخيرا شددت الدراسة على أهمية تفعيل دور وزارة الشؤون الاجتماعية في إيجاد نظام خاص بتنظيم الجمعيات الخيرية وحمايتها من بعض التجاوزات، وأيضاً تفعيل التعاون مع الأجهزة الحكومية الأخرى في مراقبة العمالة الأجنبية وبالذات المستترة منها.
ضمن الجهود الحثيثة أيضاً، التي تبذلها الأجهزة المعنية في المملكة العربية السعودية بمكافحة ظاهرة غسل الأموال وتمويل عمليات الإرهاب، قامت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) في وقت سابق، وبالتحديد بتاريخ 24 آذار (مارس) 2009، بتنظيم ندوة بعنوان "الالتزام ومكافحة غسل الأموال في المصارف السعودية والمؤسسات المالية"، التي استهدفت نشر ثقافة الالتزام لدى الأفراد العاملين في المصارف والمؤسسات المالية، وبالتالي إيجاد مجتمع مهني متماسك لمواجهة التحديات المتزايدة وتقليل المخاطر التي تواجه المشرعين والمصارف والمؤسسات المالية في سبيل مكافحة عمليات غسل الأموال.
من بين أبرز الجهود كذلك، التي بذلتها الحكومة السعودية في مكافحة غسل الأموال، إصدارها نظام المكافحة غسل الأموال يتكون من 29 مادة، بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/39 وتاريخ 25/6/1424، الذي حددت مادته الأولى المقصود بغسل الأموال، على أنها ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه، يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام وجعلها تبدو وكأنها مشروعة المصدر، كما قد حدد النظام الأساليب المختلفة والمتعددة لغسل الأموال، بما في ذلك الوسائل والطرق والأساليب المستخدمة، وأنواع العقوبات، التي تطبق في حق المخالفين.
ضمن الجهود أيضاً لمكافحة عمليات غسل الأموال، ومن خلال خطة اعتمدتها مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، لرفع الوعي المصرفي لدي عملاء البنوك بعمليات النصب والاحتيال والتحذير منها، فقد قامت البنوك العاملة في السعودية بتوجيه من المؤسسة، بإطلاق حملة توعية طويلة الأمد، تستهدف تعريف المواطنين والمقيمين من عملاء البنوك المحلية، بالأساليب وبطرق الاحتيال المختلفة التي يستخدمها المحتالون، للإيقاع بفريستهم في شرك عمليات النصب والاحتيال المصرفي، كما قد قامت المؤسسة في مجال التدريب على مكافحة عمليات غسل الأموال والجرائم الاقتصادية، بالتعاون مع بعض الجهات الحكومية بعقد عدد من البرامج التدريبية لبعض منسوبيها حول موضوع مكافحة غسل الأموال والتعريف بمخاطره.
أيضاً من بين أهم وأبرز الخطوات والإجراءات المتخذة من قبل الحكومة السعودية في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال والنصب والاحتيال، والتي سبقت بها عديد من دول العالم الأخرى، تعزيز الوسائل الرقابية على الجمعيات والمؤسسات الخيرية وغيرها من المؤسسات غير الهادفة للربح، بالشكل الذي يكفل ويمنع استغلال هذه المؤسسات والجمعيات بأنشطة ذات علاقة بعمليات غسل أموال أو تمويل إرهاب، كما تجدر الإشارة في هذا الخصوص بأنه قد سبق للمملكة العربية السعودية، في عام 2003، إجراء التقييم بالإجراءات المتخذة لتنفيذ التوصيات الخاصة بتقييم مجموعة العمل المالي (الفاتف).
رغم الجهود الكبيرة التي قامت بها حكومة المملكة العربية السعودية، في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال والعمليات المتعلقة بتمويل الإرهاب، بما في ذلك مكافحة جميع أنواع عمليات النصب والاحتيال، التي تندرج تحت تصنيف الجرائم الاقتصادية المختلفة، إلا أنه برأيي أن نجاح تلك الجهود، سيظل أمراً مرهوناً بمدى استجابة المواطن والمقيم للحملات وللتحذيرات التي تنظمها وتصدرها الأجهزة الحكومية المعنية في المملكة بمكافحة عمليات الاحتيال والنصب المالي والمصرفي، التي يروج ويسوق لها وللأسف الشديد، فئات وأفراد من ضعاف النفوس، بما في ذلك مؤسسات وهمية، الأمر الذي يتطلب من المواطن ومن المقيم، التعاون مع تلك الحملات وتلك التحذيرات، من خلال التصدي والامتناع عن الاستجابة لمثل ذلك النوع من العمليات، هذا إضافة إلى ضرورة التبليغ عن العمليات المالية المشتبه بها للجهات الأمنية المختصة.
إن تعاون المواطن والمقيم بالتصدي لعمليات الاحتيال المالي والمصرفي، بما في ذلك العمليات المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، سيساعد وبشكل كبير على تجنيب البلاد، وأنظمتها المالية، والنقدية، والمصرفية لأن تكون عرضة ـ لا سمح الله ـ لمثل ذلك النوع من الأعمال والعمليات التخريبية للبنية التحتية الاقتصادية للاقتصاد الوطني، مما سيكفل لاقتصادنا، بإذن الله تعالى، أن يظل باستمرار اقتصادا نظيفا جاذبا للاستثمارات النظيفة، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي