الإطار القانوني لتنظيم العلاقة بين مكاتب المحاماة السعودية والأجنبية

كانت ممارسة مهنة المحاماة في المملكة العربية السعودية مقصورة على السعوديين ثم فتحت أبوابها أمام مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بموجب قرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون المتخذ في دورته الثامنة بشأن ضوابط ممارسة مواطني دول المجلس للمهن الحرة في الدول الأعضاء، وبموجب تلك الضوابط أصبح لأصحاب المهن الحرة في أي دولة من دول المجلس مثل المحامين مزاولة مهنهم في دول المجلس الأخرى، إما بصفة شخصية وإما بالمشاركة مع نظرائهم من مواطني دول مجلس التعاون، وذلك وفقا لشروط الترخيص والتسجيل المطلوبة عادة ممن يمثلونهم من مواطني الدولة العضو المضيفة. وعندما انضمت السعودية إلى منظمة التجارة العالمية عام 2005، وافقت على فتح مهنة المحاماة أمام الأجانب بشرطين، الأول أن تتم ممارسة هذا النشاط بالمشاركة مع محامين سعوديين بحيث لا تقل نسبة مساهمة المحامين في رأس مال المشاركة عن 25 في المائة، والشرط الثاني أن تتم المرافعة أمام المحاكم والهيئات القضائية السعودية من خلال محامين سعوديين، ويواجه المحامون السعوديون في الوقت الحاضر منافسة متزايدة من شركات المحاماة الأجنبية خاصة الأمريكية والأوروبية التي دخل معظمها السوق السعودية بوسائل غير قانونية حيث تمارس هذه الشركات نشاطها عن طريق إقامة علاقة تعاون بينها وبين مكاتب محاماة سعودية تتيح لهذه الشركات أن تمارس نشاطها في السوق السعودية من خلال مكاتب المحاماة السعودية مقابل نسبة متفق عليها من قيمة عقود الأتعاب التي تبرمها شركات المحاماة الأجنبية مع الشركات والمؤسسات السعودية. ولقد نشرت جريدة "المدينة" في عددها الصادر يوم الجمعة 20/3/1430هـ الموافق 23/3/2009، خبرا مفاده أن اللجنة الوطنية للمحامين المنبثقة عن مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية تقدر قيمة الأعمال التي حصلت عليها شركات المحاماة والاستشارات القانونية الأجنبية الموجودة في السعودية بمقدار ثلاثة مليارات و500 مليون ريال سنويا، ولم يتضمن هذا الخبر بيان الأساس الذي بناء عليه تم تقدير هذا المبلغ، وإذا كان هذا التقدير صحيحا فإنه يدل على أن مزاحمة شركات المحاماة الأجنبية للمحامين السعوديين قد اشتدت وطأتها، كما تضمن الخبر المذكور أن رئيس اللجنة الوطنية للمحامين صرح بأن نحو 20 شركة محاماة واستشارات قانونية أجنبية تعمل في المملكة تحت مظلة مكاتب محاماة سعودية، وأن هذه الشركات لا تحبذ أن تؤسس وجودها في السعودية من خلال شركات نظامية وأنها تفضل أن تكون تحت مظلة مكاتب محاماة سعودية لتستغلها في الحصول على أعمال وقضايا من شركات ومؤسسات سعودية مقابل إعطائها مبالغ زهيدة من قيمة العقود التي تحصل عليها، كما أن طريقتها تلك تساعد على خروجها من الأسواق المحلية أو انتقالها إلى مكتب آخر بكل يسر وسهولة إلا أن ذلك الوجود غير النظامي يكلف كثيرا المحامين السعوديين المرخصين من وزارة العدل، الأمر الذي يتسبب في فقدانهم أعمالا وقضايا بقيمة تقدر بنحو 3.5 مليار ريال سنويا. واستطرد قائلا: إن شركات المحاماة الأجنبية عادة تأتي للحصول على عقود الأعمال الكبيرة المتعلقة بالاستشارات القانونية لإعداد عقود مشاريع البلديات والتمويل المصرفي والتطوير العقاري والسكك الحديدية والتخصيص والاستحواذ والاندماجات وقضايا الاستثمار الأجنبي.. وغيرها من الأعمال الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى حرمان 600 مكتب محاماة من هذه الأعمال، وهذه المكاتب يعمل فيها نحو 1300 محام سعودي مرخص لهم من وزارة العدل.
وفي تقديري أن تنظيم العلاقة بين شركات المحاماة الأجنبية ومكاتب المحاماة السعودية على النحو السالف بيانه يخالف أحكام نظام الشركات المهنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/4 وتاريخ 18/2/1412هـ، الذي أجازت مادته الأولى للمرخص لهم بمزاولة مهنة حرة أن يكونوا فيما بينهم شركات مدنية تتمتع بالشخصية المعنوية وفقا لأحكام هذا النظام، كما أجازت للمهنيين السعوديين المرخص لهم بمشاركة شركات مهنية أجنبية متخصصة بالشروط التي يحددها وزير التجارة، وحددت المادة (2) من اللائحة التنفيذية للنظام المذكور الصادر بقرار وزير التجارة رقم 41 وتاريخ 8/1/1413هـ، شروط الترخيص بتأسيس الشركات المهنية المختلطة التي تتم بين المهنيين السعوديين المرخص لهم والشركات المهنية الأجنبية المتخصصة على النحو التالي:

1- أن تكون الشركة الأجنبية ذات سمعة متميزة في مجال المهنة.
2- أن يكون قد مضى على تأسيس الشركة الأجنبية مدة عشر سنوات مارست خلالها أعمالها بدون انقطاع.
3- أن تسهم الشركة في نقل الخبرة والتقنية الفنية وتدريب السعوديين.
4- أن يكون للشركة المهنية الأجنبية ممثل دائم – واحد على الأقل – في المملكة لا تقل مدة إقامته عن تسعة أشهر في السنة، ويشترط بالمثل أن يكون حاصلاً على مؤهل جامعي على الأقل في مجال تخصص الشركة، وأن يكون عضواً في إحدى الجمعيات المهنية المتخصصة في ذات المهنة التي يرخص بها، وألا تقل مدة خبرته العملية عن عشر سنوات متصلة، وعلى الشركات الأجنبية التي اشتركت في تأسيس شركات مهنية قائمة أن توفق أوضاعها طبقاً لهذه الشروط خلال مهلة أقصاها سنة من تاريخ العمل بهذا القرار حتى تستمر في مزاولة المهنة في المملكة.
5- أن تتقدم بنسخة من عقد تأسيسها في الخارج مصدقة ومترجمة إلى اللغة العربية.
6- ألا يترتب على نقل حصة شريك سعودي إلى غير سعودي نقص حصص الشركاء السعوديين عن 25 في المائة من رأس المال.
كما قررت المادة السابعة من النظام المذكور أن تختص وزارة التجارة بالترخيص بتأسيس الشركات المهنية، وقررت المادة الثامنة من هذا النظام أن تقيد الشركات المهنية في السجل المعد لذلك في وزارة التجارة.
وبناء على ما سبق فإنه لا يجوز لأي شركة محاماة أجنبية ممارسة أي نشاط في السعودية إلا من خلال شركة مهنية تؤسس في السعودية وفقاً لأحكام النظام المذكور بالمشاركة مع محام أو محامين سعوديين بحيث لا تقل نسبة مساهمة الشريك أو الشركاء السعوديين في رأس مال الشركة عن 25 في المائة. وأي صيغة تعاون أخرى بين محام سعودي وشركة محاماة أجنبية، تمكن شركة المحاماة الأجنبية من ممارسة نشاطها في السعودية، تجعل المحامي السعودي عرضة للمساءلة والجزاء بموجب نظام مكافحة التستر. إذ قررت المادة الأولى من هذا النظام بأنه (لا يجوز لغير السعودي – في جميع الأحوال – أن يمارس أو يستثمر في أي نشاط غير مرخص له بممارسته أو الاستثمار فيه بموجب نظم الاستثمار الأجنبي أو غيره من الأنظمة واللوائح والقرارات) وطبقاً للمادة الأولى من اللائحة التنفيذية للنظام المذكور يعد متستراً كل من مكن غير السعودي من الاستثمار أو ممارسة أي نشاط محظور عليه ممارسته كالنشاط التجاري أو المهني أو الصناعي أو الاقتصادي أو الزراعي، أو أعمال السمسرة والوساطة أو الأعمال المصرفية أو البنكية أو التعليمية أو النقل أو غيرها من الأنشطة سواء عن طريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري أو بأي طريقة أخرى.
كما قررت المادة السادسة من النظام المذكور ما يلي:
أ – يترتب على الإدانة بمخالفة أحكام هذا النظام شطب السجل التجاري أو السجل الفرعي المتعلق بالنشاط محل المخالفة، وإلغاء الترخيص، وتصفية الأعمال الخاصة بالنشاط محل المخالفة، والمنع من مزاولة النشاط نفسه لمدة لا تزيد على خمس سنوات.
ب – تستوفي - بالتضامن بين المتستر والمتستر عليه – الزكاة والضرائب والرسوم، وأي التزام آخر لم يستوف بسبب التستر.
ونخلص مما سبق إلى دعوة الجهات الحكومية المختصة إلى أن تقف وقفة حازمة مع شركات المحاماة الأجنبية التي تمارس نشاطها في السعودية على نحو يخالف نظام الشركات المهنية ولائحته التنفيذية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي