ما لم يقله بيان قمة الـ 20
انفض سامر قمة الـ 20 دولة في لندن واشتعلت ساحات النقاش والتحليل والتعليق على البيان الختامي، وعما إذا كان قد قدم مخرجاً إجرائياً فعلياً من الأزمة يمكن السير في تنفيذه، أم أنه كان تنظيراً دبلوماسياً توفيقياً بقصد امتصاص زخم الغضب عند الشعوب والأمم التي وجدت نفسها على حين غرة تفقد مدخراتها وتنهار قيم أسهمها إلى قاع لم يكن معهودا؟!
السؤال بصفته هذه يمثل محاججة للأخلاق والمصداقية وراء البيان الختامي لقمة الـ 20.. بمعنى أنه يذهب في اتجاه القطع بأن القمة لم تأت بجديد سوى الطمأنة بأنها بمجرد اجتماعها برهنت على أنها ساعية لإنجاز مشروع حل.
الآراء التي ذهبت هذا المنحنى التشككي تركز على أن البيان الختامي لم يعترف أصلاً بأن السبب وراء الأزمة هو الاعتماد الكلي على السياسات المالية والنقدية، بل إنه (أي البيان) كرس محورية وجوهرية هذه السياسات بدعمها وتفعيل دورها وأدواتها وجعل التقصير موقوفاً فقط على النظام والرقابة والشفافية.. وبالتالي فإن إيلاءها أهمية قصوى ووضع ضوابط واشتراطات وآليات عمل كفيلة بجعل الأزمة تخرج من هاويتها حتما.
بمعنى أبعد .. نظر البيان الختامي إلى حرية السوق باعتبارها مسلمة لا تقبل تدخلاً ولا احتراساً وميلا حادا، إلى إقصاء التخطيط الوطني إكراما لعين عولمة شروطها غير متكافئة أو عادلة، طالما أن مستويات التطور التكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي متفاوتة بين الأمم والدول ما يعني أن تعمل العولمة فقط لمصلحة الأقوياء.. وما الحديث عن رفض الحمائية إلا مؤشر على رغبة القوي في ابتلاع الضعيف أو استتباعه له طالما تلك الدول القوية تقوم بذاتها بالحماية لمنتجاتها!!
المعترضون أو المتحفظون على بيان قمة العشرين يرون أنه بدلاً من أن يبحث في خلفيات أبعد من السياسات المالية والنقدية فإنه أكد تتويج قيادتها العمليات الاقتصادية في العالم، وأنه لذلك قام بدعم المؤسسات المالية الدولية كما قام بتشجيع دعم المصارف والبنوك المحلية في كل دولة ودعم بعض الشركات الكبرى لكي تقف على أقدامها ولتكون الدول فيها حامل أسهم بهذه الصفة.
أي أن الدعم المالي والنقدي تم توجيهه لمن أضاعوا المال والنقد وترك الناس لعراء تبخر مدخراتهم والبطالة، لم تلتفت لهم الدول بالتعويض أو التوظيف، بمعنى أن جمهور الأزمة لم يستهدفه البيان بحل ولا الدول بحلولها وإنما كان الاستهداف لمؤسسات المال فيما يشكل خللاً في عدالة معالجة الوضع وهو خلل لم يغب حتى عن بال رئيس وزراء الدولة المضيفة لقمة العشرين، جوردون براون الذي أوضح هذا المأزق الإجرائي، واعترف بأنه يواسي الجمهور ببدلاته الممكنة والمتاحة، إذ ليس بالوسع أن تعمد الدول إلى توزيع المال على الأفراد، لأن ذلك من باب المستحيل بالكم والكيف.
وإذا كان مضمون بيان قمة العشرين معالجة كينزية، حيث ثقل الدولة هو الضامن لإعادة المياه إلى مجاريها، أو على الأقل جعل القاطرة تسير بشكل مأمون.. فإنه يبقى أن بيان قمة العشرين واجه الأزمة بأدوات أو بسياسات كانت هي في الأساس سبباً أساسياً في حدوثها وأن الاقتصاد العالمي، حتى في ظل هذه المعالجة، التي قد لا يكون بمعزل منها، في أمس الحاجة إلى العودة إلى الأساسيات والتفكير في كيفية تعبئة الموارد ورفع كفاءة الإنتاج بما يحقق قدراً من المستوى المعيشي يحفظ للبشر مواردهم وكرامتهم ويحد من التفاوت المجحف.. أي أن تصل البشرية إلى تعاون وانسجام بين التخطيط الوطني وبين العولمة، لا يكون معها متاحاً الحرية التامة لانتقال رأس المال ولا تصادر حرية قوة العمل، وهذا بكل تأكيد هدف تحقيق صيغته يتطلب جعله موازيا لما ا قترحه بيان قمة العشرين من آليات إلى جانب السياسات الاقتصادية التي تتجه للاقتصاد الحقيقي وما يقدمه من إنتاج للسلع والخدمات الحيوية التي كانت هي السبب في سعادة البشر وتقدمهم في ظل منظومة الأخلاق والقيم.