وسيم يا عمود!
لم يفسر لنا أحد حتى هذه اللحظة ما الذي يحدث في بعض الميادين الكبرى؟
أقول هذا لأني تعرضت لأحد أهم الأسئلة المحرجة في حياتي يوم الأربعاء الماضي عندما أقلني صديق من أقصى شمالي الرياض ليعيدني إلى مبنى الجريدة في حي المؤتمرات، وتحديداً عندما أصبحنا في مواجهة الأعمدة المتعالية في ميدان تقاطع طريق مكة المكرمة مع طريق الملك فهد. ولأن صديقي القديم هذا يعلم، منذ كنا تلاميذ في المرحلة الثانوية، أني مصاب بهوس الرسم وممارسة ما تيسر من أنماط فنونه، فقد تساءل قائلاً:
"أبو سليمان... هالحين هالأعمدة اللي قدامنا وش معناها؟"
ما كان مني طبعاً إلا أن اعتدلت في جلستي، ولو أن سيارة النيسان "باطرول" القديمة، للأسف، لا تتيح مساحة كبيرة لـ "الانجعاص"، وتنحنحت.. وأتبعت النحنحة بارتشاف "جغمة" من قارورة الماء المحشورة بين ناقل الحركة والدبل، ثم ادعيت انشغالي بإعادة القارورة إلى منطقة الحشر نفسها...! قبل الانتقال إلى تحسس الطبلون للبحث عن علبة مناديل لم أكن أعلم أنها ملقاة في الخلف مع "عزبة" البر والكشتات! وهنا بادر هو وأحضرها، فتناولتها منه وسط تنهيدات مطولة للتعبير عن حجم الهم الثقافي الملقى على عاتقي، وأوشكت على البكاء من فرط الإحراج، ولكن القدر حال دون ذرف الدموع!
حدث كل هذا قبل أن يداهمنى أبومحمد مرة أخرى قائلاً: "اسلـَـم..! علمنا بالله عليك وش سالفة هالعواميد! عاد أنتم الفنانين لكم كذا شغلات غريبة!"
هنا أدركت أنه لا بد من إجابة، فسألته لاستحضار هيبتي الثقافية قائلاً: "وش قصدك بالضبط؟"
فقال: "العمدان ذي.. وش سالفتها؟"
فقلت: هذه يا صديقي لمبات "سهاري" كبيرة، هذا كل ما يمكنني أن أبرر به وجودها هنا وبهذا الكم وهذا الحجم!"
إلى هنا، انتهت حكايتي مع صديقي الذي أوصلني إلى مقر الجريدة وودعني بـ "حنّة" من محرك الجيب للتدليل على عدم الرضا عن الإجابة. ولكني سأتساءل معكم هنا في مساحة تخصكم وأقول: ألم يجد المصممون والمقاولون ما يبرزون به هوية الرياض غير أعمدة الـ cladding تلك؟ فعلى أرض الواقع، لا يوجد في هذه الأعمدة ما يدل على أي أثر للهوية التي تزخر بها مدينة الرياض، فكيف يكون الفصام عنواناً لترحيبنا في المدخل الغربي؟ ومن جهة أخرى، كيف يتم كساء بعض قطع حجر الرياض العملاقة المنتشرة هنا وهناك بكسرات من السيراميك البرتقالي؟
نعم، كسرات من سيراميك برتقالي فوسفوري أيها السيدات والسادة! ورأيته بأم عيني!!
كيف سيبرر لنا المقاول أسباب ترك كتلة برتقالية فوسفورية صاخبة تعلن عن هوية المكان في وسط ميدان معزز بالنخيل والتكوينات الصخرية البيئية؟ يحدث كل هذا وسط إجماع فني عالمي يؤكد أن السريالية انتهت وتم استقبال العزاء في روادها برحيل أسطورتها سلفادور دالي! كما أن المكان المقصود في هذا المقال هو ميدان شعبوي عام، وليس مدخلاً لأحد متاحف الفن الحديث!!
وللحديث بقية في العدد القادم، فالزميل مخرج الصفحة يشير إلى انتهاء المساحة المخصصة لصاحبكم، ألقاكم على خير!