آسفة.. المقابلة انتهت
حين تغادر الشابة مدارها المحدود وتدخل في معترك سوق العمل أو زحمة الحياة فإن من أكثر المهارات التي يلزمها التدرب عليها - من وجهة نظري – لحماية حدودها الشخصية هي السلوك التوكيدي الذي يقع بين السلوك العدواني والانهزامي، فهو يتيح لنا تأكيد حقوقنا الشخصية والتعبير عن أفكارنا والدفاع عن رغباتنا بطريقة مباشرة وملائمة دون انتهاك لحقوق الطرف الآخر مما يساعد في تقليل التوتر الشخصي وتعزيز الثقة بالنفس ويدعم علاقات الفوز بين الطرفين في أي علاقة تواصل.
هناك مواقف تستلزم التحلي بالقدرة العالية على السلوك التوكيدي مثل القيام بطلب موضوع ما أو رفض أمر ما لا يناسب قيمنا وأولوياتنا، أو في مواقف التعبير عن رأي محدد في قضية ما، وعند تقديم المديح أو استقباله وكذلك في التعامل مع النقد سواء في استقباله أو تقديمه، لكن البعض يعجز عن ممارسة السلوك التوكيدي ربما تجنبا لإزعاج الآخر أو خوفا من حكم الآخرين عليه بصورة خاطئة أو الاستهزاء به، كما يحجم البعض عن استخدام السلوك التوكيدي تجنبا للوقوع في الخطأ أو الفشل، ولهذا فإن الحديث الذاتي المحبط المصاحب بتوقعات سلبية يعزز مشكلة السلوك الانهزامي في تفاعلاتنا مع الآخرين ويضعف السلوك التوكيدي.
في بداية تدربنا على اكتساب السلوك التوكيدي من المهم أن نكتشف طبيعة المواقف التي تربكنا؟ وما الذي يثير القلق في داخلنا مع الآخرين؟ هل عدوانيتهم وتسلطهم أم قوة مناصبهم، هل قسوة أحكامهم أم جفاف تواصلهم؟ هل يربكنا قليلو الكلام أم ذوو الخبرة الثرية أم الفضوليون كثيرو الأسئلة أم المواقف التي تضطرنا إلى مواجهة الجنس الآخر؟ وعندما نحدد المواقف المربكة لنا نبدأ في استخدام تقنية الفيلم الذهني ولعب الأدوار لبرمجة العقل الباطن على الموقف مسبقا.
إن الشخص الذي يتمتع بالسلوك التوكيدي العالي يعبر باحترام عن رأيه المختلف مع الآخر ويعتذر بلباقة لمن يطلب زيارته في وقت غير ملائم، يبادر بالاعتذار إذا شعر أنه ارتكب خطأ، وإذا طلب منه زميل أمرا لا يناسب قناعاته يتأسف له عن عدم فعله ويوضح قناعته، كما أنه ينهي مقابلة عمل بلطف إذا استمرت أكثر من الوقت المخصص، فهو يعد التعبير عن مشاعره وأفكاره دلالة على الصحة النفسية، وإذا وجه إليه أحدهم سؤالا شخصيا يذكره بأنه ليس من حقه، ولا يخجل أن يستفسر ممن يتحدث معه عن بعض النقاط الغامضة، وإذا تلفظ زميل له ببعض الألفاظ النابية يلفت نظره إلى التوقف، كما أنه لا يتهرب من لقاء شخص بل يصارحه بأسبابه لأنه يمتلك قناعات قوية إيجابية تؤمن بأن ارتكاب الأخطاء سبيل إلى التعلم وأنه من الصعب إرضاء الجميع، ولذلك فمن المفيد التواصل مع الآخرين ضمن طاقاتي ومن الجيد أن أتعلم من النقد دون حساسية, وما هو مهم للآخر قد لا يكون مناسبا لي.